كثيرون منا يتصورون النجاح والثراء ضربة حظ أو انتقالاً من حال إلى حال في غمضة عين، وأن من يولد في عائلة فقيرة أو متواضعة الإنجازات على الصعيد العلمي وخلافه فإنه لن يحقّق شيئاً في حياته كما لم يحقق والداه.
لكن الحقيقة هي أن التاريخ يسلط الضوء مراراً وتكراراً على واقع أشخاص بدؤوا من تحت الصفر ضمن عائلات معوزة أو بسيطة ليس فيها أصحاب مواهب، ثم مع الوقت بلغوا أعلى مراتب النجاح وتربعوا على القمم.
فلماذا يمكن أن تكون البدايات المتواضعة طريقاً إلى القمة؟ بينما يمكن أن تتحول البدايات الاستثنائية إلى وبال على المرء فتتسبب في فشله؟
حين نتتبع أحداث التاريخ البشري، نسمع عشرات القصص عن أشخاص ولدوا في عائلات فاحشة الثراء على مبدأ المثل الشعبي القائل: «ولد وفي فمه ملعقة ذهب»، حيث يحصلون على كل شيء يتمناه أي إنسان مهما كان ثمنه بسهولة تامة دون عناء بذل أي مجهود أو كفاح في سبيله كما يفعل غالبية الناس.
ينظر الواحد فينا إلى أمثال هؤلاء بعين الغيرة أو الحسد متسائلاً عما قدموه للحياة حتى يجانبهم الحظ ويقف إلى صفهم، بينما سوء حظه جعله يولد في عائلة بالكاد تؤمن لقمة العيش (هكذا يعتقد)! لكن هذه الصورة المثالية التي نرسمها حول المشاهير والناجحين والأثرياء ليست كامل الحكاية، بل تخفي وراء الستار خبايا لو اطلعنا عليها لتغيرت نظرتنا تجاه الأشياء.
كثيرة هي قصص الأثرياء الذين ضيعوا ثروات أهاليهم حين كبروا لكونهم لا يملكون مقومات النجاح للاستمرار. فذاك الطفل المدلل الذي اعتاد أن يحصل على أي شيء يطلبه دون تقديم شيء في المقابل، لم يدرك قيمة المال وعطايا الله، فشبّ على التبذير والإسراف والحياة المرفهة. فإذا واجهته ضائقة أو حدث فجائي قلب حياته رأساً على عقب، خرّ مهزوماً محطماً لا يدري ما يفعل بعدما ضيع سنين عمره في رغد العيش، فكبر دون أن يمتلك أي مهارات يمكن أن تعوضه.
وأزيدك من الشعر بيتاً: هناك مئات الحكايات القديمة والحديثة حول أشخاص لم تكفهم الأموال الطائلة التي ورثوها عن أجدادهم وآبائهم، فاستدانوا من البنوك ودخلوا في مشاريع فاشلة ليبددوا كل ثرواتهم، ويجدوا جيوبهم فارغة تماماً خلال سنوات معدودات، بينما كان بوسعهم أن يعيشوا عيشة الأغنياء إلى آخر يوم في حياتهم دون أن يضطروا للعمل في حال ضبطوا مصروفاتهم ضمن حدود المعقول!
على صعيد آخر، فإن من يبدأ حياته من القاع، من واقع أليم أو صعب، فيدرك قيمة الصحة والمال والعائلة، ويضطر إلى العمل من أجل كسب لقمة العيش، فإنه يكبر وفي جعبته مهارات عديدة تمكنه من بلوغ النجاح. وإن مزج مهاراته مع الرغبة والالتزام التام تجاه أهداف كبيرة فإنه يمكن أن يصل إلى القمة كما فعل ذلك عشرات الناجحين على مرّ التاريخ حتى يومنا هذا.
الفرق بين من بنى إمبراطورية النجاح من الصفر، وبين من ولد داخل إمبراطورية غيره ففشل، هو أن الأول صنع نفسه بنفسه، فعرف الطريق وكيفية الوصول إلى حيث وصل؛ أما الثاني فضيع كل عطايا القدر لأنه لم يكسبها بعرق جبينه، ولا عرف الطريق الذي يجب أن يسلكه ليكون حيث كان أبوه أو من ورث عنه ثروته.
إن أردت أن تعلو نحو العلا، وتتميز عن الآخرين في أي مجال كان، وتصبح مضرب المثل في النجاح؛ فضع نفسك في آخر الرَّكب. وإذا أردت أن تكون في مقدّمة الناس فضع نفسك خلفهم، حتى ترتقي سلم النجاح بالتدريج وصولاً إلى حيث ترنو وتنشد. هكذا يصنع الأبطال أنفسهم، حين يبدؤون من محطة الصفر أو دونها، صعوداً إلى أعالي القمم. فكن واحداً منهم.