الدوحة /قنا/ شكل إعلان دولة قطر الأسبوع الماضي، عن إصدار سندات خضراء بقيمة 2.5 مليار دولار، أحدث دعم لجهود تطوير اقتصاد متنوع ومستدام وتحقيق التنمية المستدامة في البلاد، فيما يعد أول إصدار من نوعه في المنطقة يهدف إلى تمويل مشاريع صديقة للبيئة.

وقالت وزارة المالية في إعلانها عن المبادرة القطرية الجديدة، إن "إصدار هذه السندات الخضراء يمنح المستثمرين فرصة المشاركة في مسيرة الدولة لمحاربة الآثار السلبية للتغير المناخي وحماية البيئة عن طريق التنمية المستدامة، وذلك بالتوازي مع تطوير قطاع التمويل المستدام في البلاد".

وتعكس هذه المبادرة وغيرها من المشاريع والمبادرات الأخرى التي نفذتها دولة قطر في مجال الاستدامة والحلول الصديقة للبيئة إجمالا، مضيها بخطى حثيثة على طريق التحول إلى مركز استثنائي في المنطقة لنموذج الاقتصاد الأخضر، تماشيا مع التزاماتها الدولية ومع المنظور الذي حددته رؤيتها الوطنية 2030 لتحقيق التوازن المستدام بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ على البيئة.

كما تندرج ضمن جهود قطر لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25 بالمئة بحلول عام 2030، وتركيزها على الاستثمارات المستدامة والخضراء، حيث تعتزم طرح أكثر من 75 مليار دولار في شكل فرص للاستثمار المستدام بحلول عام 2030، بما يعكس التزامها نحو الاستدامة البيئية.

وفي القلب من هذا المسعى، تبرز جهود قطاع الطاقة القطري في التعامل مع أزمة الطاقة الثلاثية المتمثلة في أمن الإمدادات، والقدرة على تحمل التكاليف، والاستدامة من خلال تزويد العالم بطاقة أنظف يحتاجها لانتقال مسؤول إلى طاقة منخفضة الكربون.

وفي هذا الصدد، أكد سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة، في وقت سابق، الحاجة الدائمة إلى الغاز الطبيعي باعتباره الوقود الأحفوري الأنظف للتعامل مع حمل الطاقة المطلوب لإنتاج الكهرباء ولتشغيل المصانع والصناعات، مبينا أن 40 بالمئة من إجمالي كميات الغاز الطبيعي المسال الجديدة التي ستصل إلى الأسواق العالمية بحلول عام 2029 ستكون من قطر للطاقة.

وأضاف سعادة وزير الدولة لشؤون الطاقة ،العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة: "يجب أن يكون هناك توازن بين ما نحتاجه للبشرية وبين كيفية إدارته بشكل صحيح. وإذا نظرنا إلى ما نقوم به في دولة قطر، فإننا نعمل على رفع الإنتاج إلى 126 مليون طن سنويا، ولدينا بين 16 و18 مليونا آخر ستأتي من مشروعنا في الولايات المتحدة الأمريكية العام القادم. نحن نقوم بذلك بالطريقة الأكثر مسؤولية فيما يتعلق بالانبعاثات وعزل ثاني أكسيد الكربون".

وعن دور قطر في هذه الجهود، قال سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي: "تمتلك قطر اليوم أكبر موقع لعزل ثاني أكسيد الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. نحن نقوم بحقن أكثر من مليوني طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون سترتفع إلى 11 مليون طن في غضون سنوات قليلة. ونحن نستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل محطات إنتاج الغاز الطبيعي المسال. ربما تكون كثافة انبعاثات الكربون من الغاز الطبيعي المسال في قطر هي الأدنى في العالم. لذلك نحن نقوم بذلك بطريقة مسؤولة للغاية ونعمل على تقليل الانبعاثات".

وكانت قطر للطاقة قد أطلقت في مارس 2022، استراتيجيتها المحدثة للاستدامة الهادفة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عبر تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) لالتقاط أكثر من 11 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون في قطر بحلول عام 2035، وخفض المزيد من كميات الكربون في منشآت الغاز الطبيعي المسال بالدولة بنسبة 35 بالمئة، وفي منشآت التنقيب والإنتاج بنسبة 25 بالمئة، ومتابعة جهودها لتحقيق أهداف توليد أكثر من 5 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ووقف الحرق الروتيني للغاز، والحد من انبعاثات غاز الميثان المتسربة على طول سلسلة صناعة الغاز، وغيرها.

ومن هذه المبادرات، إطلاق المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء كهرماء في 27 أبريل الماضي، استراتيجية قطر الوطنية للطاقة المتجددة الهادفة إلى زيادة توليد الطاقة المتجددة على نطاق المحطات المركزية بحوالي 4 غيغاواط بحلول عام 2030، وتوصي أيضا باعتماد تكنولوجيا التوليد الموزع للطاقة الشمسية بقدرة تصل إلى حوالي 200 ميجاواط بحلول العام نفسه، الأمر الذي يقلل الضغط على البنية التحتية للشبكة المركزية ويعزز استدامة الطاقة.

وسيساهم إطلاق الاستراتيجية من الناحية البيئية في خفض بنسبة 10بالمئة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون السنوية في قطر من قطاع الطاقة، فضلا عن خفض كثافة ثاني أكسيد الكربون السنوية بنسبة 27 بالمئة لكل وحدة من الكهرباء المنتجة، في حين يتوقع من الناحية الاقتصادية أن يؤدي مزيج الطاقة الموصى به في الاستراتيجية إلى خفض متوسط تكلفة توليد الكهرباء بنسبة 15بالمئة في عام 2030 بسبب التكاليف التنافسية لحلول التقنيات المتجددة.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور سيف بن علي الحجري مؤسس ورئيس برنامج أصدقاء البيئة، على محورية الدور الذي تلعبه دولة قطر في تحول الطاقة الذي يشهده العالم في الفترة الحالية، واتجاه العديد من دوله إلى التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خاصة تلك التي تعتمد على الفحم الحجري وغيره من مصادر الطاقة الملوثة، مبرزا في هذا الصدد انضمام دولة قطر في عام 2022 لمبادرة استهداف الانبعاثات الصفرية (الحياد الكربوني)، وهي إحدى مبادرات قطاع الطاقة الهادفة للوصول إلى ما يقارب انبعاثات صفرية من غاز الميثان في أصول النفط والغاز بحلول عام 2030.

واعتبر الخبير في مجال البيئة أن زيادة إنتاج دولة قطر من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن حاليا إلى 142 مليون طن في عام 2030 تأتي استجابة للحاجة المتزايدة لمصادر طاقة أنظف تقلل من الاحتباس الحراري، قائلا: "يعد الغاز الطبيعي المسال حاليا أنظف مصدر من مصادر الطاقة الأحفورية وهو الرافعة الأساسية في عملية الانتقال، مع ملاحظة أن الاستثمارات الكبيرة الموجودة حاليا في مجال الطاقات البديلة لا تلبي الطلب المتزايد على الطاقة وتحتاج لوقت أطول".

ونوه الدكتور الحجري بأهمية تدشين مشروع محطة الخرسعة الكبرى للطاقة الشمسية في أكتوبر 2022 الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 800 ميغاواط بما يعادل 10بالمئة من ذروة الطلب على الكهرباء في قطر، وتبلغ تكلفته الإجمالية 1.7 مليار ريال، مشيرا كذلك إلى مشروع الأمونيا-7، بقيمة 1.1 مليار دولار وهو أول وأكبر مشروع أمونيا زرقاء في العالم بطاقة إنتاج تبلغ 1.2 مليون طن سنويا والمتوقع أن يدخل طور الإنتاج في الربع الأول من العام 2026، باعتبارهما "استثمارات تترجم التزام دولة قطر بالجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي وخفض كثافة الكربون في منتجات الطاقة، وركيزة أساسية في استراتيجيتها للاستدامة والتحول إلى طاقة أكثر نظافة".

من جهته، أكد المهندس ناصر جهام الكواري، رئيس شركة كورانفو للاستشارات، والرئيس التنفيذي السابق لشركة قطر للكيماويات وشركة قطر للإضافات البترولية، نجاح دولة قطر في خفض البصمة الكربونية ثاني أكسيد الكربون، حيث أدى تنفيذ تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCS) في المواقع الصناعية إلى خفض انبعاثات قطاع البتروكيماويات بنسبة 10 بالمئة على مدى السنوات الخمس الماضية.

وقال المهندس الكواري، إن الاستدامة في صناعة البتروكيماويات القطرية تشمل الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية، بينما تشمل الاستراتيجيات الرئيسية تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، وتحسين كفاءة الطاقة، واعتماد مبادئ الاقتصاد الدائري، والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، منوها بالاستثمارات القطرية الكبيرة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الشمسية، إذ يمثل مشروع محطة الطاقة الشمسية في الخرسعة، الذي ينتج 800 ميجاواط من الكهرباء، خطوة هامة نحو تقليل الكثافة الكربونية في صناعة البتروكيماويات، إلى جانب المشروعين الجديدين في راس لفان الصناعية ومسيعيد الصناعية للطاقة الشمسية.

وأشار إلى أن دولة قطر أنشأت مراكز بحثية تركز على تطوير التقنيات الخضراء وتحسين كفاءة الطاقة في عمليات البتروكيماويات، وتقف واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا (QSTP) في طليعة هذه المبادرات، لتعزيز التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعية، حيث "أدى تبني التقنيات الفعالة في استخدام الطاقة إلى زيادة بنسبة 15% في كفاءة الطاقة عبر المنشآت البتروكيماوية الرئيسية في قطر، ولا تقتصر هذه التحسينات على خفض التكاليف التشغيلية فحسب، بل تعزز أيضا الأداء البيئي للقطاع".