+ A
A -
جريدة الوطن

أعزّائي خريجي دفعة عام 2024

أهنئكم جميعا ًعلى إنجازاتكم.

مع تخرجكم من الجامعة أو المدرسة، أيًا كان موقعكم في هذا العالم، سيُقال لكم مراراً وتكراراً إنّ باستطاعتكم تغيير هذا العالم وجعله مكاناً أفضل، فأنتم تتمتعون بالموهبة والجدارة والطاقة والقدرة على تغييره، لِما تملكون من أدوات تمكنّكم من تحقيق تغييرٍ إيجابي. إنكم قادرون على إحداث تحوّلٍ في المجتمع، وستفعلون.

نحن الأكبر سنًاً منكم، يخالجنا مزيجٌ من المشاعر ونحن نراكم تشقون طريقكم في العالم وتغمرنا مشاعر الفخر والاعتزاز بكلّ ما حققتموه من إنجازاتٍ وما ستحققونه مستقبلاً، ولكن هذه المشاعر يخالطها بعضٌ من الحنين والذكريات، فأنتم تذكروننا بأنفسنا قبل أن يتم ترويضنا من قِبل المجتمع وتوقعاته، عندما كانت تملؤنا مُثل الشباب العليا.

كنا صادقين مع أنفسنا آنذاك، قبل أن يُدفن هذا الصدق تحت طبقاتٍ من الواجب والاحترام. ومع مرور الوقت، امتلأت حياتنا بالمسؤوليات: عملاً وأسرةً وضغوطاتٍ متزايدةٍ لمواكبة متطلبات العصر الحديث. وشيئًا فشيئًا، تعلّمنا أن نُعطي الأولوية لتوقعات الآخرين على حساب أحلامنا.

وعلى مر السنين، وُجِّهنا عدة مرات لنكون «واقعيين»، فعلى ما يبدو أن المثالية هي «محضُ عبث» من وجهة نظر الكثيرين. ولكن أليست المثالية واحدة من أهم الصفات الإنسانية؟ كيف يُمكن للمثالية أن تكون أمراً سطحيّاً؟ أين سنكون من دون ذلك المزيج من الشغف والطاقة والإيمان الذي يُلهم أفعالنا ويحركها، ولكنه سرعان ما يضيع؟ ليته كان ممكناً أن نعَبّئ المثالية في قناني ونحملها معنا، لأننا إذا لم نتمسك بأفكارنا وقيمنا، سنتوقف عن السعي إلى تحقيقها، وإذا لم يسعَ أحدٌ إلى بناء عالمٍ أفضل، فلن يحدث ذلك التغيير أبداً.

بالطبع يجب أن تقترن المثالية بالتفاني والإخلاص والعمل الجاد إذا ما رغبتم في إحداث تغيير حقيقي، لكنني أطلب منكم ألا تخافوا من مقارنتها بالأفكار الواقعية التي تقول: «لا يمكنكم أبداً القضاء على الفقر في العالم»، «لا يمكنكم أبداً إيقاف الحروب»، «لا يمكن تحقيق المساواة». ربما، ولكن هل ينبغي أن يمنعكم ذلك من السعي إلى عالم أفضل؟ عالم يمكن للجميع فيه ممارسة حياتهم اليومية دون خوف من البنادق أو القنابل، عالم ينعم فيه كل طفل بمعدة ممتلئة وسقف يحميه، عالم يمكن فيه للطلبة قراءة كتبهم بسلام ومناقشة أفكارهم دون خوف وخطر. ستكون كلّ جهودنا بلا جدوى إذا لم يكن هناك دافع يحفزّها.

لا تخجلوا أبداً من مثاليتكم، ولا تخشوا من قول الحقيقة، وإلّا فإن خياركم البديل سيكون الانصياع للضغوطات والاستسلام لليأس.

بدلاً من ذلك، ابنوا رؤيتكم للعالم على ما تؤمنون به لتقودوا مسيرتكم في الاتجاه الذي تختارونه.

إنّ جيلكم يواجه تحديات عظيمة، رُبما أكثر من أي وقت مضى ولكن إذا ما حافظتم على اتقاد الشعلة التي بداخلكم، فأنا واثقة بقدرتكم على تحقيق أي شيء ترومون تحقيقه.

أثناء مسيرتكم على الدرب الذي اخترتموه، سيكون من الصعب أن تحملوا معكم عبء آمالكم وأحلامكم، وكذلك أحلام من سبقوكم ومن سيأتون بعدكم، لكنني أرجو منكم ألا تسمحوا لضغوطات الحياة وتحدياتها أن تبعدكم عن قيمكم وإيمانكم بإمكانية وجود عالم أفضل.

ابقوا دائماً أوفياء لأنفسكم ولآمالكم ولأحلامكم ولمُثُلكم العليا.

موزا بنت ناصر

رئيس مجلس

إدارة مؤسسة قطر

copy short url   نسخ
07/06/2024
0