تعيش فرنسا اليوم على وقع صدمة الانتخابات الأوروبية الأخيرة التي صعد فيها حزب اليمين المتطرف «التجمع الوطني» متقدما على كل الأحزاب الفرنسية بل بلغ ضعف النسبة التي حصل عليها حزب ماكرون الحاكم بنسبة 31 في المائة مقابل 14 في المائة. اضطرت هذه الصدمة الرئيس ماكرون إلى إعلان حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وهو ما رأى فيه كثيرون مجازفة خطيرة قد تؤدي إلى وصول التجمع الوطني المتطرف إلى رئاسة الحكومة.

لكنّ آخرين رأوا فيها درسا من الانتخابات الأوروبية بإعادة السلطة إلى الشعب صاحب القرار ليختار بنفسه من يمثله داخل الجمعية الوطنية وهو ما يعبر عن رفض معسكر الرئيس تحمّل تبعات الصعود الخطير لليمين المتطرف. على الجبهة المقابلة نجحت أحزاب اليسار في الوصول إلى اتفاق توحيد المعسكر اليساري بمختلف تياراته لمواجهة صعود التجمع الوطني وسقوط الجمهورية تحت حكم من يعتبرونهم أعداء القيم الجمهورية.

على الجبهة المقابلة أعلنت زعيمة التجمع الوطني «ماريون ماريشال لوبان» حفيدة المؤسس «جون ماري لوبان» عن دخولها في مفاوضات تحالف مع أحزاب اليمين الأخرى القريبة منها لتثبيت الصعود الأخير لأفكار أقصى اليمين.

لا شك أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها فرنسا خلال السنوات الأخيرة قد ألقت بظلالها الكثيفة على هذه الانتخابات بسبب ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية وقوانين التقاعد ونزيف الميزانية بسبب الحرب في أوكرانيا.

فرنسا اليوم أمام لحظة اختبار تاريخية قد تنسف أسس البناء الديمقراطي الفرنسي إذا تواصل صعود اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية القادمة بعد أن دفعته حالة النقمة الشعبية إلى الفوز بالانتخابات الأوروبية. لا أحد يستطيع اليوم التنبؤ بالتطورات القادمة لكن كلا الفريقين يعلم جيدا استتباعات الخيارات الشعبية القريبة والتي تعيد رسم الخريطة السياسية لفرنسا ومن ورائها البناء الأوروبي الذي يعيش هو الآخر على وقع الصعود الكبير لقوى اليمين المتطرف.