بدأ فصل الصيف رسمياً يوم 20 يونيو الماضي، لكن درجات الحرارة في المنطقة العربية تسجل ارتفاعات قياسية قبل أسابيع من هذا اليوم، فماذا ينتظر المنطقة هذا الصيف؟ وهل الاحترار المناخي السبب فعلاً؟
كانت موجات حر خانقة قد ضربت عدّة بلدان عربية خلال هذه الأيام انطلاقاً من مصر وليبيا، مروراً بدول الخليج، وصولاً إلى دول الشام كسوريا والأردن وفلسطين.
«الحرارة المتطرفة.. تحذير خطير لاقتصادات العالم هذا الصيف»، تحت هذا العنوان نشرت بلومبرغ الأميركية تقريراً يرصد التداعيات الكارثية للارتفاعات القياسية في درجات الحرارة، ليس في مصر فقط ولكن في منطقة الشرق الأوسط عموماً.
من التغير إلى «الجحيم المناخي»
كانت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ قد ذكرت أن متوسط درجات الحرارة العالمية خلال العام المنتهي بنهاية مايو / أيار 2024 تجاوز متوسط ما قبل الثورة الصناعية بنحو 1.63 درجة مئوية، مما يجعلها الفترة الأكثر دفئاً منذ بدء تسجيل البيانات في 1940.
ومتوسط الاثني عشر شهراً الماضية لا يعني أن العالم قد تجاوز عتبة الاحترار العالمي البالغة 1.5 درجة مئوية التي تقيس متوسط درجة الحرارة على مدى عقود من الزمن ويحذر العلماء من تبعات تجاوزها الأكثر تطرفاً والتي لا يمكن معالجتها، بحسب تقرير لرويترز.
ففي تقرير منفصل، أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إلى وجود فرصة بنحو 80 % في تسجيل متوسط حرارة يتجاوز مؤقتاً 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية خلال سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة، وذلك ارتفاعاً من احتمال كان يبلغ نحو 66 % العام الماضي.
في هذا الإطار، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب «جحيم مناخي»، محذراً في حديثه عن هذه النتائج من السرعة التي يتحرك بها العالم في الاتجاه الخاطئ بعيداً عن استقرار النظام المناخي. وقال في كلمة بمناسبة اليوم العالمي للبيئة: «في عام 2015، كانت فرصة حدوث هذا التجاوز قريبة من الصفر».
ومع نفاد الوقت المتبقي لعكس المسار، حث غوتيريش على خفض استخدام الوقود الأحفوري عالمياً بنحو 30 % بحلول عام 2030. وقال: «نحن بحاجة إلى مخرج من الطريق السريع نحو جحيم مناخي»، مضيفاً أن «المعركة من أجل 1.5 درجة مئوية سنكسبها أو نخسرها خلال العقد الحالي».
ما هو الاحترار المناخي؟
هناك مصطلحات باتت متداولة بشكل مكثف خلال السنوات الأخيرة، منها التغير المناخي والاحتباس الحراري والاحترار المناخي، لكن الأمين العام للأمم المتحدة صاغ مصطلحاً جديداً هو «الجحيم المناخي»، تعبيراً عن التسارع الشديد في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ومصطلح التغير المناخي معني بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها، ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء.
أما الاحترار العالمي فيصف الارتفاع في متوسط درجة حرارة هواء الأرض والمحيطات، وهو أحدث مثال على التغير المناخي. وبالتالي فهو التسخين طويل الأمد لسطح الأرض الذي لوحظ منذ فترة ما قبل الصناعة (بين 1850 و1900) بسبب الأنشطة البشرية، وفي المقام الأول حرق الوقود الأحفوري، مما يزيد من مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض، بحسب وكالة ناسا الأميركية.
ومنذ فترة ما قبل الصناعة، تشير التقديرات إلى أن الأنشطة البشرية أدت إلى زيادة متوسط درجة حرارة الأرض بنحو 1 درجة مئوية (1.8 درجة فهرنهايت)، وهو رقم يتزايد حالياً بأكثر من 0.2 درجة مئوية (0.36 درجة فهرنهايت) لكل عقد.
ويؤكد علماء المناخ أن الاتجاه الحالي للاحتباس الحراري نتيجة لا لبس فيها للنشاط البشري منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وهو يسير بمعدل غير مسبوق على مدى آلاف السنين. الخلاصة هنا هي أن الاحتباس الحراري أحد أشكال التغير المناخي، لكن التغير المناخي لا يقتصر فقط على ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويؤدي الاحترار الأخير الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى زيادة في معدلات الفيضانات والجفاف معاً، بينما تشهد بعض المناطق بالعالم تحسناً في معدلات هطول الأمطار، تفقد التربة في بعض المناطق الجافة قدراً كبيراً من رطوبتها. لذلك يشرح الدكتور ناثان ستيجر، عالم الغلاف الجوي بجامعة كولومبيا، أنه من الناحية التاريخية، تأثرت المجتمعات بشكل كبير بنفس أنواع الأحداث المناخية المدمرة التي تحدث اليوم: الارتفاعات والانخفاضات الشديدة للحرارة لفترات طويلة، والجفاف والفيضانات.
وغالباً ما كان يتم تحديث تلك التغييرات المناخية في الماضي دون تدخل أو أخطاء بشرية، لكن في بعض الأحيان، تتفاقم تلك التغييرات المناخية المدمرة بسبب سوء إدارة البشر لبيئاتهم، بحسب ستيجر، مشيراً إلى مثال تعرية التربة الناتج عن الزراعة، فالمناطق التي تفقد التربة السميكة والغنية أكثر عرضة للجفاف في أثناء فترات الجفاف، مما يجعل فترات الجفاف أسوأ بكثير مما كانت عليه سابقاً.
قبل الأوان.. درجات حرارة مرتفعة في مصر
في المنطقة العربية، تعتبر مصر من أكثر الدول المعرضة لتداعيات التغير المناخي والاحتباس الحراري، بحسب تقرير بلومبرغ. وتتفاقم معاناة مصر بشكل خاص بسبب تركيبتها الجغرافية كدولة صحراوية ذات موارد مائية محدودة. وهذا ما يجعل ارتفاع درجة حرارة الطقس أعلى بمرتين من بقية أنحاء الكوكب.
وتوضح تلك العوامل تأثير درجات الحرارة الشديدة كما تسلط الضوء على أهمية التنبؤ الدقيق بالأحداث المناخية المتطرفة بالنسبة لصانعي السياسات والأعمال. ويتوقع خبراء الاقتصاد وأخصائيو المناخ بالفعل ارتفاع درجات الحرارة بشدة هذا الصيف في أجزاء كثيرة من العالم.
وسجلت المدن المصرية، منذ أبريل / نيسان الماضي، ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة، بلغت في بعض الأيام 45 درجة مئوية، على الرغم من أن فصل الصيف بدأ رسمياً 20 يونيو / حزيران. وللمرة الأولى انتشرت مقاطع فيديو يقوم فيها مواطنون مصريون بطهي بيض على أشعة الشمس، كما يحدث في دول خليجية.
يعتبر هذا تغييراً هائلاً بالنسبة لمصر، التي كانت نادراً ما تشهد مثل هذه الارتفاعات في درجات الحرارة قبل أو بعد فصل الصيف، وهذا ما أشارت إليه عالمة الأرصاد الجوية بالقاهرة، أميرة ناصر، في مقابلة مع بلومبرغ.
كانت الحرارة، في أبريل / نيسان الماضي، تبلغ في الخارج 41 درجة مئوية (105 درجة فهرنهايت)، أو 46 درجة مئوية في الشمس. لكن في داخل مركز الأرصاد الجوية، تحتوي سجلات المتحف على صفحة من أبريل / نيسان عام 1874، عندما كانت درجة الحرارة في القاهرة 24 درجة مئوية.
«نحن في شهر أبريل / نيسان فقط، ونحن نتعامل مع موجات الحر بالفعل. لم يُسمع بهذا منذ عقود مضت»، بحسب ما نقلته بلومبرغ عن أميرة ناصر. وفي حين شهد الكوكب الآن 12 شهراً متتالياً من الحرارة غير المسبوقة، فإن الاحتباس الحراري العالمي يمثل مشكلة خطيرة بشكل خاص بالنسبة لمصر، الدولة الصحراوية التي ترتفع حرارتها بواحد من أسرع المعدلات في العالم. ويشعر الخبراء في هيئة الأرصاد الجوية المصرية بالقلق من أن يكون هذا الصيف أكثر وحشية من العام الماضي، حيث سيقلب السلع والزراعة رأساً على عقب ويحدث دماراً في الحياة اليومية.
تحذير اقتصادي خطير
وباعتبارها رائدةً في مجال آثار تغير المناخ، تقدم مصر لمحة عما ينتظر الاقتصادات في جميع أنحاء العالم خلال الصيف المقبل.
ففي كندا، لم تكن حرائق الغابات السنوية مدمرة كما هي عليه الآن، إذ اجتاحت النيران خمسة عشر مليون هكتار، أي ما يعادل أكثر من ربع مساحة فرنسا. ومن السهول الغربية إلى الدائرة القطبية الشمالية عبر حزام الغابات الشمالية، صار الاحترار أسرع بمرتين إلى ثلاث مرات منه في بقية العالم. ولمـــــا كان عام 2023 الأكثر حرارة في العالم على الإطلاق، فقد أخذ منه عناصر الإطفاء والإنقاذ وسكان المجتمعات المعرضة للخطر في كندا الدرس جيداً للتعايش مع مخـــــــاطر الكوارث الطبيعية المــــــــتزايدة، على أمل التقاط الأنفاس ضمن راحة مناخية هذا العام، لكن يبدو أن الراحة من التغير المناخي لم تعد واردة.
وفي تقرير نشر قبل أسبوعين، قال فريق من الباحثين إن الحكومات بحاجة إلى زراعة المزيد من الأشجار ونشر تقنيات من شأنها زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون التي تتم إزالتها كل عام من الغلاف الجوي نحو أربعة أضعاف الكمية التي تزال حالياً من أجل تحقيق أهداف المناخ العالمية.
ويشير مصطلح «إزالة ثاني أكسيد الكربون» إلى مجموعة من العمليات التي تهدف إلى عزل ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل في الهواء. وهي تشمل أساليب تقليدية مثل إعادة التشجير بالإضافة لحلول محتملة واسعة النطاق مثل الوقود الحيوي وزراعة الطحالب في المحيطات واستخدام المرشحات التي تلتقط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي مباشرة.
فقد خلص تقرير بحثي شارك فيه أكثر من 50 خبيراً دولياً إلى أنه في الوقت الحالي يتخلص نظام إزالة ثاني أكسيد الكربون من نحو ملياري طن من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي كل عام، ولكن يجب أن يرتفع هذا الرقم إلى حوالي سبعة إلى تسعة مليارات طن إذا أردنا إبقاء ارتفاع درجات الحرارة أقل من المستوى الرئيسي البالغ 1.5 درجة مئوية.
مقتل العشرات في الهند
جريجوري نيميت الأستاذ بجامعة ويسكونسن ماديسون وأحد الباحثين المشاركين في التقرير قال لرويترز: «بلغ صافي غازات الاحتباس الحراري نحو 55 مليار طن سنوياً في عام 2022 وتتراكم الانبعاثات في الغلاف الجوي، لذلك كل عام وكل إجراء له أهمية».
وقال الباحثون إن هناك حاجة إلى سياسات جديدة لزيادة الطلب على تكنولوجيا إزالة ثاني أكسيد الكربون مع انخفاض تمويل التقنيات الجديدة منذ عام 2020. ويمثل مبلغ 856 مليون دولار الذي تم استثماره في الشركات الناشئة الجديدة العام الماضي نحو 1 % من إجمالي الإنفاق على تكنولوجيا المناخ.
وفي الهند، ذكرت بيانات حكومية أن البلاد شهدت ما يقرب من 25 ألف حالة إصابة بضربة شمس، ولاقى 56 شخصاً حتفهم في عدة موجات حارة في أنحاء البلاد في الفترة من مارس / آذار إلى مايو / أيار هذا العام، أي قبل أشهر من بداية الصيف رسمياً.
وشهدت المنطقة في شهر مايو / أيار ظروف طقس بالغة السوء بشكل خاص حيث وصلت درجة الحرارة في العاصمة نيودلهي وولاية راجاستان القريبة إلى 50 درجة مئوية. كما تعاني أجزاء من شرق الهند من تبعات الإعصار رمال. وتسببت الأمطار الغزيرة في ولاية آسام بشمال شرق البلاد في مقتل 14 شخصاً.