بينما أقف اليوم على ناصية الحلم أعد الساعات والدقائق لكشف النقاب عن ثمرة جهد سنتين ونيف واصلت فيهم الليل بالنهار، تنتابني مشاعر متضاربة بين السعادة والفخر والحماس والترقب، وأيضا الخوف والحيرة، أعتقد جازما أني حققت جزءا كبيرا من أهدافي وطموحاتي في المجال الثقافي والأدبي لا سيما من خلال مشروع شخصيات معاصرة الذي نحتفل به اليوم في نسخته الثانية في حفل ضخم ببرنامج ثري ومتنوع يرفع خلاله الستار عن النسخة النسائية الثانية والرجالية الأولى والإنجليزية التي تجمع جميع الشخصيات التي يتجاوز عددها الـ 170 شخصية فاعلة ومؤثرة في المجتمع القطري.
لكن.. وأنا في خضم هذه التجربة الثرية والمميزة أيقنت شيئا مهما، وهو أن العبرة الحقيقية في الطريق الذي سلكته، وليس في النتيجة التي حققتها، فالنجاح الحقيقي الذي حققته من خلال هذا العمل ليس إصدار الكتب وإقامة الحفل الذي يجمع صفوة المجتمع وإنما في كم المشاعر التي عايشتها والتجارب التي انغمست فيها، فمع كل سطر ومع كل تجربة كنت أشعر أني صرت جزءا منها، حيث تأثرت بشكل من الأشكال بكل شخصية، وللأمانة أيضا وجدت نفسي من باب الفضول أنقب عن معلومات لم أكن أظن يوما أنها قد تستهويني وهو ما أثرى رصيدي في المعلومات في عدة مجالات تعلقت بشخصيات الكتاب.
فخلال هذه التجربة، لم أكن مجرد كاتب أو موثق، بل كنت متعلما وطالبا في مدرسة الحياة فأتيحت لي الفرصة لاكتساب خبرة واسعة في سطور تجاربهم، التي اختصرت علي سنوات من العمل والبحث والتجارب وأدركت أنه يمكن لتجربة واحدة أن تكون مدرسة حقيقية تغنيك عن قراءة مئات الكتب وتجد فيها حافزا ودافعا لبذل جهد أكبر والعطاء بسخاء أكبر، ناهيك عن كمية المهارات التي اكتسبتها بشكل تلقائي فتعلمت كيفية التفكير بطرق مبتكرة، والتعامل مع المشكلات بمرونة وصبر، كما اكتسبت مهارات في التحليل والنقد البناء، وكيفية استخلاص العبر من التجارب المختلفة.
ومع كل يوم وتجربة جديدة كنت أستحضر حديثا نبويا لطالما رددته الأستاذة مريم ياسين الحمادي مدير إدارة التعاون الدولي بوزارة الثقافة على مسامعنا حول أهمية الاختلاط بالمثقفين وأهل الفكر «حامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً»، وقد نثر جميع الشخصيات عليا من طيب ريحهم. فهؤلاء الأشخاص ليسوا فقط مصدرا للمعرفة، بل هم أيضا مصدر إلهام وتحفيز تركوا في نفسي وفي فكري الأثر الكبير.
ولعل مرحلة النضج الفكري والأدبي التي وصلتها والثقة الكبيرة التي حصدتها جعلتني أشعر بثقل المسؤولية، فحفل اليوم والإصدارات التي أطرحها يجب ألا تكون نقطة النهاية، بل أجد نفسي اليوم أمام تحديات أكبر فلم يعد بإمكاني التراجع والتوقف ولا حتى السكون، وحان الوقت لبذل جهد أكبر يليق بمقام من وثقوا بنا وبهيبة المجال الذي اخترته، وأيضا بضخامة الحلم الذي حلمته، وبينما أنا الآن على ناصية الحلم سأقاتل مخاوفي وأواجه هواجسي.