+ A
A -
عبير نور الدين

يقول وليام شكسبير: كثيرا ما أبكيت إنسانا رغم أنه يحبني وأحببت إنسانا، رغم أنه يؤلمني ففي حياة كل إنسان تمر لحظات تجعله يعيد التفكير في علاقاته مع الآخرين.

فقد تكون قد مررت بلحظات شعرت فيها بالحب من شخص لم تقدم له شيئا سوى وجودك، وفي المقابل قد تكون عانيت من الألم من شخص قدمت له كل شيء.

هذه التجارب تعلمنا أن بقاء الناس ورحيلهم في حياتنا ليس مرتبطًا بما نقدمه لهم بقدر ما هو مرتبط برغباتهم الشخصية.

في بعض الأحيان، تجد من يبقى بجانبك حتى وإن قل عطاؤك له. هؤلاء الأشخاص يكونون مخلصين، يتمسكون بالعلاقة لأنها تمثل لهم قيمة حقيقية تتجاوز العطاء المادي أو الظاهري. على النقيض، هناك من يرحل عنك بالرغم من تفانيك وتقديمك لهم كل ما تستطيع. هذا النوع من الناس يكونون مدفوعين برغباتهم الشخصية والمصالح التي يمكن أن يجدوها في علاقتهم بك.

ودائما أتذكر قصة الملك الذي كان يبحث عن زوجة تكون ملكة لقلبه ولعرشه. عُرضت عليه أجمل فتيات العائلات الغنية، ولكن لم يجد فيهن من تناسبه. في يوم من الأيام، جاءت إلى القصر امرأة متسولة تحمل بين يديها الحب العظيم. قالت للملك: «ليس لدي شيء أقدمه سوى حبي الكبير، ويمكنني أن أثبت لك هذا الحب بتضحية عظيمة».

أثار هذا الكلام فضول الملك، فسألها عما تستطيع فعله. ردت المتسولة: «سأقضي 100 يوم في شرفة قصرك، دون طعام أو شراب إلا ما يسد الرمق، متعرضة للمطر والشمس وبرودة الليل، وإذا تحملت هذا العذاب، ستجعلني زوجتك». وافق الملك على التحدي، متعجبًا من شجاعتها، وقال: «إذا استطاعت هذه المرأة أن تتحمل كل هذا من أجلي، فهي تستحق أن تكون ملكتي».

بدأت المرأة تضحيتها، وبدأت الأيام تمر ببطء. تحملت العواصف والجوع والبرد بشجاعة، وكانت تتخيل نفسها في النهاية بجانب حبها الكبير. من حين لآخر، كان الملك يخرج من غرفته لينظر إليها ويومئ بإبهامه، ويزداد إعجابه بها يومًا بعد يوم.

مر 20 يومًا.. ثم 50 يومًا.. وشعب المملكة أصبح سعيدًا، متأملين في اللحظة التي ستصبح فيها المتسولة ملكتهم. ومرت الأيام حتى وصلنا إلى اليوم الـ99، واجتمع الناس حول القصر ينتظرون بفارغ الصبر الساعة 12 ظهرًا في اليوم الـ100 ليشهدوا تتويج الملكة الجديدة.

كانت المرأة منهكة، ضعيفة، ومصابة بالأمراض من شدة الجوع والعذاب. ومع ذلك، في الساعة 11 صباحًا من اليوم الـ100، قامت المرأة الشجاعة بشكل مفاجئ واتخذت قرارًا حاسمًا بالانسحاب من القصر. نظرت إلى الملك نظرة حزينة، ولم تقل كلمة واحدة، ثم غادرت.

اندُهش الناس وصُدموا من قرارها، فقد تحملت الكثير وكانت قريبة جدًا من تحقيق حلمها. عندما عادت إلى منزلها، سألها والدها عن سبب تخليها عن حلمها. فأجابت: «قضيت 99 يومًا و23 ساعة في شرفته، تحملت العذاب من أجله ولم يُظهر لي أي رحمة أو شفقة.

كنت أتوقع منه ولو تلميحًا من اللطف والاحترام، لكنه لم يفعل. أدركت أن مثل هذا الشخص الأناني لا يستحق حبي الكبير».

ختامًا، يجب أن نتذكر أن لا نفعل المستحيل من أجل إرضاء شخص لا يبذل من أجلنا الممكن.هذه القصة تدعونا إلى التفكير بعمق في قراراتنا العاطفية، وتذكرنا بأن الحب الحقيقي هو الذي يجعلنا نشعر بالسعادة والرضا، وليس الذي يستنزفنا ويتركنا نعيش في عذاب.

فليكن هذا الدرس مرشدًا لنا جميعًا في حياتنا اليومية، ولنتذكر دائمًا أن نختار بحكمة، ونحب بصدق.

إلي لقاء إلى مقال آخر إن شاء الله.

copy short url   نسخ
28/06/2024
20