+ A
A -

لم انتبه مبكراً لانتقال د. وائل حلاق إلى جامعة حمد بن خليفة في قطر، وسواء كان هذا التعاقد موسميا أو شاملا، فإن هذا التطور في عودة خطاب د. حلاق إلى منصات الشرق خطوة مهمة جداً، دون أن نفقد تأثيره في منبر جامعة كولومبيا، أو مجمل الرواق الفلسفي الجديد في الغرب الأميركي، الذي بات مسار الفلسفة الأخلاقية الإسلامية حاضراً فيه، يطرق قلوبَ وعقول شخصيات اكاديمية عديدة، من أصول شرقية أو جنوبية أو من أصول غربية.

وربما نجهل كثيراً من الأسماء، التي تُطلق أشرعتها النقدية للفلسفة الغربية، في الرواق الاكاديمي الغربي، لكن صداها لا يصل إلى المشرق العربي، وهو ما سمعتُ عرضاً مهماً عنه، في زيارات العاصمة الكندية اوتاوا، ولقائي مع الصديق العزيز الأردني الكندي، د. عمر عضيبات.

لقد حقق تحالف حلاق وطه عبد الرحمن انتقالة مهمة جميلة، لفلسفة المقاومة الإنسانية، التي شرحت العلاقة بين صلف المادية العنيفة، التي انكرت العقل المعرفي، وبالتالي المركز الأخلاقي الروحي وبين توحش الحداثة المادية، التي انتزعت أي معيار احتساب ضميري أخلاقي، من حراك الإنسان وتطويره لوجوده في الأرض.

وليس المقصد النقدي الامتناع عن وسائط إصلاح الحياة التي نجحت فيها الحداثة، وتسهيل العيش فيها للذات البشرية، وعلى الخصوص دعم البيئة الطبيعية والفطرة الإنسانية، فيما يخدم روحها وتضامنها، بين الأجيال والأمم.

إننا هنا نستحضر إشكالية عميقة، قدّمت لنا فيها حركة التمرد الطلابي الغربي لأجل غزة، دليلاً يقينياً مهماً عنها، في علاقة المصالح الأكاديمية الغربية، بموازين القوى الرأسمالية الغربية، وشركاتها وسياسة الإستراتيجيات الكبرى لحكوماتها، هذا الدليل اليقيني هو حجم الاستثمارات الضخمة والنوعية، بما فيها الصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي تقدمها جامعات غربية كبرى لصالح وزارة الحرب الصهيونية.

وهذا ما ينقلنا للفصل المهم لكتاب وائل حلاق في قصور الاستشراق، والذي كشف فيه حجم الكتلة الرأسمالية، في المؤسسات الأكاديمية الغربية، وبالتالي من أين ننتظر خروج مسار نقدي فلسفي حراً، لمصلحة الإنسانية المعذبة، من شركاء التدمير الحداثي؟

كل ذلك لا يعني أن هذه الجامعات، لا تضم نخباً مخلصة للفلسفة الأخلاقية، ولنقد عالم الحداثة، لكنها تبقى في هامش سلطان الرأسمالية الطاغي، على الكوكب الأكاديمي في الغرب، الذي ترتفع ثرواته وأوقافه ما يتجاوز ميزانيات دول، عبر وصايا الأثرياء أو عبر تعاقدات دول العالم الثالث، من هنا تبرز أهمية المقعد الذي يشغله وائل حلاق، والذي نرجو ان يكون ضمن مسار اهتمام مخصص بالفلسفة الأخلاقية الإسلامية.

لكن حضور حلاق في البرامج الأكاديمية دون تفعيل لرسائل فلسفته، أو للأنشطة والفعاليات المتعلقة بفكره وفكر د. طه عبد الرحمن وآخرين، يُقلص مساحة الاستفادة من هذا العلم المهم، والمؤثر في جدل العالم الأكاديمي ومستقبل الإنسانية الأخير، ولذلك فإن نقل قضايا هذا الجدل، مهم أن يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال فريق شبابي من طلبة الجامعة، وأقسام الدراسات الإسلامية الفلسفية، وتنشر في مواقع الإعلام المتعددة.

الثاني أننا نعيش لحظة تاريخية في بحث الذات الغربية، عن فلسفة الأخلاق الأخرى، التي تُصلح ما فسد من قوانين عالمية أو إقليمية للعالم الغربي، اعتمدت على تصنيف عنصري للقاعدة البشرية للعالم، بل وتعريف الإنسان وفقاً لمعايير الانحراف في الفلسفة الغربية، والتي دارت حول صنم الحداثة وما بعدها.

دون أن يعني ذالك وهذه وجهة نظر شخصية، أن الغرب قد فشل في كل مشاريعه الدستورية، فنُلغي نجاحه في إقرار منظومة عدالة اجتماعية ودستورية، هي في ذاتها خلقت في ضمير الشاب الغربي اليوم في حركة التمرد، روحاً تضامنت مع العدالة الإنسانية لأجل غزة والإنسان الآخر، فيما لم تولد مثل هذه الروح، تحت نظم الاستبداد الموروثة في حاضر العالم الإسلامي، من فقه التراث الذي خالف فلسفة الشريعة وحقوق الإنسان فيها.

إننا نأمل أن تُطلق مبادرة جامعة حمد بن خليفة، التي ندعو لها بكل توفيق، مؤتمرات متخصصة، وندوات حوار حضاري مستقلة، تكشف لكل العالم بما فيه الغربي، أن هناك مساحة جدل حضاري متبادل، لا يُقصي الغرب كما تفعل الأكاديمية الغربية مع الشرق، ولكنه يرفض منح الرواق الأكاديمي الغربي، صك نزاهة مطلقة وقداسة مزعومة.

بل يفتح الميدان الحُر للبحث عن مصالح الإنسان في صرير العقول والأفكار، وأين تولد حضارة تخدمه لا تستخدمه، وبالتالي تُحقق الجامعة اختراقاً تاريخياً في عالم الفلسفة المعاصر، وتبعث جدول تواصل بين الشرق والشرق ذاته، وبين الشرق والغرب، المعيار هنا قوة دلائل الفكرة في مآل الإنسان، الإنسان حيث كان وحيث أعلنت كرامته قاعدة لاختلاف العرق والأديان.

copy short url   نسخ
30/06/2024
95