تَلوحُ في الأفقِ، نُذرُ خروج الكيان الإسرائيلي، و«حزب الله»، على «قواعد الاشتباك»، أو«معادلات الردع»! –تدابير ظهرت منتصف خمسينيات القرن العشرين إبان الحرب الباردة وتلتزم فيها الجيوش والقوات المقاتلة ببعض الضوابط عند استخدام القوة–. وهي «خطوط حمراء»، متعارف عليها ضمنياً، ودون الحاجة لسند، أو اتفاق كتابي، يلتزم بها الاحتلال الصهيوني، والمقاومة الإسلامية في لبنان؛ منذ عقدين من الزمان تقريباً، بعد حرب (عام 2006م.). واليوم، مع دخول أسلحة، وتكتيكات جديدة لساحة المواجهة، أصبح الوضع على الأرض متدحرجاً!. ومن شأن ذلك فتح أبواب الصراع على سيناريوهات التصعيد. وأي خطأ؛ قد يتسبب في قيام حرب شاملة بالشرق الأوسط؛ وقد تتجاوز تداعياتها المنطقة؛ ليكتوي بنارها الإقليم كله، وما حوله!. ولذا، يساور القلق الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وكلتاهما تحاولان نزع فتيل الأزمة، لتظل التهدئة على الخط الأزرق، في الجنوب اللبناني.
ومضى نحو 18 عاماً، على الهدوء -لا حرب لا سلم- بين «حزب الله»، والاحتلال الصهيوني، على الخط الأزرق، بطول 120 كلم، وهو منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي، رقم (1701) -صدر بالإجماع- في 11 أغسطس (عام 2006م.). وعندما بدأت معركة «طوفان الأقصى لم يمضْ أكثر من 24 ساعة؛ حتى أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان، عن «مساندة غزة». وسريعا، قامت مجموعات «عماد مغنية»، بتنفيذ هجماتها على ثلاثة مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا – المحتلةُ -، تحت شعار «تحريرُ ما تبقى من أرضنا اللبنانية المحتلةُ وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني».
وانحصرت رمزية التضامن، في «جبهة إسناد»، بدون الانخراط في الحرب، أو الخروج عن «قواعد الاشتباك». وحتى عندما رفع حزب الله سقف التهديدات بقوله: «إن اندلعت الحرب لن يكون لها أي ضوابط»؛ بل وتحذيراته لقبرص، أن تصبح قاعدة لانطلاق الهجمات الصهيونية ضدهم. ومع ذلك التزم ضبط النفس، حتى الآن؛ فلم يستخدم صواريخ «الفتح»، القادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي. واقتصرت ضربات المقاومة على الأهداف القريبة في مسافة 5 إلى 10 كلم. كما لم يستهدف أيِ من منصات النفط والغاز الإسرائيلية في البحر. ويرجع ذلك إلى الدينامية الميدانية – القوة -؛ التي تحكم قدرات «حزب الله»، على التصعيد عسكرياً؛ حيث يدرك حسابات الكلفة المرتفعة، في مواجهة الاحتلال الصهيوني، في الوقت الراهن.
وواقعية «حزب الله» تتعامل مع لبنان، بأنه «جبهة إسناد»، وليس ساحة جهاد رئيسية في حرب غزة. ولا يحبذ مسار الحسم العسكري مع الاحتلال الإسرائيلي، لتفاوت قدرات التسليح؛ لذا يعتمد نهج المقاومة، التراكمية الاستنزافية –استخدمها الأسبان ضد نابليون في بداية القرن التاسع عشر وجماعات ماوتسي تونغ الصينية ضد اليابانيين والفيتناميين ضد الأميركان وحركة موختي باهيتي في بنجلاديش ضد الباكستانيين-. وهذه الطريقة ترهق العدوِ، وتحبطه معنوياً، فييأس من تحقيق النصر. كما أن الأوضاع اللبنانية الداخلية، بما فيها السياسية، والاقتصادية، غير مهيأة، لفتح جبهة حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني حالياً. وهذا في وقت انشغال إيران الحليف الاستراتيجي، بإعادة ترتيب البيت الإيراني من الداخل خلال هذه الفترة.
ويدرك «نتانياهو» حسابات «حزب الله» في الوقت الراهن، مع ظروف انشغال اثنين من حلفائه الاستراتيجيين، سوريا، وإيران لظروف داخلية. لذا يحاول رئيس الحكومة الصهيونية، استغلال الفرصة، وتوسيع جغرافية الحرب؛ لتصفية حسابات قديمة، والتخلص من الخط الأمامي للتهديد الإيراني؛ الذي يطوق الكيان الصهيوني. وهكذا يبدو «نتانياهو»، هو الوحيد الساعي للتصعيد مع المقاومة الإسلامية في لبنان. وكأنه يحاول القفز إلى الأمام، هروباً من الحرج الذي يستشعره، بعد صدمة تآكل نظرية الردع للكيان الصهيوني، ليس أمام المقاومة الفلسطينية وحركة «حماس» في غزة، فحسب؛ بل وفي الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع «حزب الله»؛ الذي أطلق نحو ألف صاروخ على الإسرائيليين في الأراضي المحتلةُ، خلال شهر مايو الماضي.
وجاء فيديو «حزب الله»، وعنوانه «ما عاد به الهدهد»؛ والذي نجحت فيه «مُسيّراتُ» حزب الله في رصد العديد من الأهداف الصهيونية في العمق الإسرائيلية، سواء عسكرية أو مدنية، شديدة الأهمية؛ لتكون رسالة سياسية لـ«نتانياهو»، مفادها، أن مَنْ استطاع الرصد، قادرُ على الاستهداف الدقيق، في حال الحرب الشاملة والموسعة. والتي وصفها «نصرالله»، بأنها سوف تكون «براً، وبحراً، وجواً». وقد استفز ذلك الجانب الصهيوني، فخرج وزير خارجية الكيان المحتلُ يسرائيل كاتس، يوم 18 من شهر يونيو الماضي، وعبر منصة «إكس»؛ ليتوعد بالقضاء على «حزب الله»، حال اندلاع حرب شاملة. بينما هدد «نتانياهو»، بتغيير «قواعد الاشتباك». وقد أثار هذا قلق الجميع، خشية أن يؤدي هذا الخروج، إلى عدم القدرة على ضبط التصعيد، ووقوع «الحرب الشاملة».
وأبدت القوى العظمى قلقها من هذا التصعيد، لما فيه من تهديد لمصالح أميركا، عسكرياً، وسياسياً، واقتصاديا في الشرق الأوسط؛ والتي تتباين في الأولويات، مع «تل أبيب». إذ تنصب اهتمامات إدارة «بايدن» حالياً، على مواجهة النفوذ الصيني والروسي بالمنطقة، وإدارة الحرب الأوكرانية، فضلاً عن الانتخابات الرئاسية القادمة، أكثر من الانشغال بحسابات «نتانياهو»– الخاصة-. وظهر ذلك في سحب واشنطن، لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس جيرالد فورد»؛ التي كانت مخصصة لـحماية إسرائيل وردع إيران وحلفائها، من البحر الأبيض المتوسط إلى قاعدتها في الولايات المتحدة. كما أن فرنسا - حاضنة اللبنانيين-، لن تقف مكتوفة الأيدي، ضد أي خطر يتهدد الوجود اللبناني، وتسارع إلى دعم الدولة اللبنانية؛ لضبط الإيقاع بين التصعيد والحرب، بعد تغيير«قواعد الاشتباك»!.