من السهولة بمكان أن ننتقد تصرفات الآخرين، ونلومهم على أخطائهم، ونشير بأصابعنا إلى نقاط ضعفهم. لكن هل بوسعك تغيير تصرفات شخص من خلال نقده وتجريحه؟ وهل إحراج الآخر بإظهار عيوبه سيحفزه للتغيير؟
في الواقع، بعد عشرات السنوات من الأبحاث والدراسات في مجال علم النفس، تبين أننا نميل إلى رفض أي مساعدة تتخذ طابعاً سلبياً. بمعنى أنك إذا انتقدت أحدهم بطريقة جارحة بينما نيتك الداخلية هي دفعه إلى التغيير، فإنك على الغالب ستخرج بخفي حنين، ولن تنجح سوى بإثارة غضبه، وتعزيز استيائه منك ومن نفسه.
يميل الإنسان بطبعه إلى الابتعاد عن مصدر الألم، والنقد السلبي يسبب ألماً نفسياً تختلف حدته من شخص لآخر، لكنه في النهاية يسبب المعاناة لنا جميعاً؛ لذلك لا أحد فينا يستمع إلى نصيحة مغلفة بكلام مسيء أو قاس. بينما يمكن لكلمة طيبة ونصيحة إيجابية في محلها أن تفعل المستحيل.
مع ذلك كله، تبين الدراسات المختلفة أن الإنسان يتأثر بالصور أكثر من الكلمات. بمعنى أنك إذا بقيت تنصح شخصاً بالإقلاع عن التدخين ليل نهار بينما أنت تدخن، فإنه في الغالب لن يقلع عن التدخين. لكن لو رآك تقلع عن التدخين، ثم نصحته بتركه فإن احتمال تأثير نصيحتك عليه سيتضاعف أضعافاً مضاعفة. ذلك أننا لا نتأثر بالمعلومات قدر تأثرنا بالنتائج. النصيحة معلومة، أما إقلاعك عن التدخين والفوائد الصحية المترتبة على ذلك نتيجة إذا رآها شخص يدخن فقد تدفعه للتغيير.
لا شك أن التغيير الحقيقي يجب أن ينبع من داخل الشخص نفسه، فمهما حاولنا لا يمكن أن ننجح في تغيير أحد ما لم يرغب بذلك ذاتياً. لكن إذا كنت قدوة للأشخاص الذين ترغب في تحسين حياتهم، فلا شك أنك ستؤثر فيهم بشكل كبير.
يميل الإنسان بطبيعته إلى البحث عن قدوة، لذلك ترى كثيراً من البشر يعجبون بشكل جنوني بفنان معين أو عالم أو رجل دين.. إلخ. فنحن نحب أن نرى تجليات أحلامنا في أشخاص وصلوا بالفعل إلى حيث نطمح. وبالتالي، عندما تكون قدوة للآخرين بدلاً من انتقادهم بطريقة سلبية، فإنك توصل أي رسالة إيجابية تريدها من دون أن تنطق بكلمة واحدة.
أذكر مرة أن صديقاً لي كان يحاول مراراً وتكراراً أن ينصح أفراد أسرته باتباع نظام غذائي صحي بسبب المشكلات الصحية التي كانوا يعانون منها باستمرار. غير أن محاولاته باءت جميعها بالفشل، لأنه كان يأكل بنفس الطريقة مع بعض المحاولات البائسة للتغيير. لكن عندما عزم على اتباع نظام غذائي صحي، والتزم به بالفعل لفترة طويلة أسفرت عن نتائج رائعة؛ استطاع بفضل ذلك أن يؤثر في أفراد أسرته الذين لم تنفع معهم انتقاداته السابقة أو حتى نصائحه المتكررة.
فعندما رأوا النتيجة على أرض الواقع، وأدركوا أن التغيير ممكن لأن واحداً منهم نجح في ذلك، وشاهدوا قدوة أمام أعينهم؛ تشكل لديهم دافع قوي لتحسين حياتهم، ومع بعض المساعدة والتشجيع من طرف صديقي المحب لأسرته، استطاعت العائلة أن تنجح في تغيير نظامها الغذائي بشكل كلي. واليوم هم في أتم الصحة والعافية، بعدما عانوا سنوات طويلة من مشاكل صحية وأمراض لا تنتهي.
لهذا كله، إذا أردت أن تساعد أحدهم فعلاً، فلا تنتقده انتقاداً جارحاً، بل كن قدوة له؛ كن مثلاً يحتذى به، وصورة الشخص الناجح الذي يطمح الآخرون ليكونوا مثله. دع أفعالك تصدح بصوتها عالياً، لأن الناس يتأثرون بالأفعال أكثر من تأثرهم بالأقوال، ولأنهم يفتشون دوماً عن خيط أمل متمثل في إنسان يقتدون به.