وصلت حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر أو ما يسمى (طوفان الأقصى) والتي اندلعت العام الماضي للذروة السياسية من خلال المتغيرات التي تحدث في رؤية العالم للقضية الفلسطينية، والتي فرضت على الأغلبية اتخاذ مواقف جديدة كلية ومنها الاعتراف بدولة فلسطين.
فبعد الضمير البشري الذي هز الجامعات وشوارع أوروبا وأميركا، فإن سياسة بعض الدول العربية والإسلامية تجاه الداعمين لإسرائيل ستكون حتمية في المرحلة القادمة، ونتيجة طبيعية للمجازر اللإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون عامة وأهل غزة خاصة، والأجواء السياسية بدأت نوعا ما تمهد لهدنة أو اتفاق لإيقاف هذه الحرب التي ستكون نتيجتها تغييرا في العلاقات السياسية والجيوساسية بين الدول.
فالغرب بشكل عام فشل في إقناع إسرائيل بإيقاف حربها ضد الفلسطينيين، كما فشل في إيقاف الحرب الأوكرانية، لذا أصبح في موقع الضعف السياسي والمؤثر، وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي القوة الوحيدة التي تسيطر وتحرك هذه الحروب حيثما تشاء، والغرب بات تابعا للصهوينية والماسونية العالمية.
لذا فان توجه العرب نحو الشرق، هو خطوة يمكن أن تثمر عن نجاحات فاعلة ولو تدريجيا لإعادة التوازن، خاصة مع الصين وروسيا، كما يفعل الرئيس الروسي بوتين كذلك بتحالفاته مع دول الشرق قي آسيا مثل كوريا الشمالية وفيتنام وغيرها.
وبالأمس وأمام مرأى العالم أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الديمقراطي ومنافسه على الرئاسة دونالد ترامب من الحزب الجمهوري في مناظرتهما عن دعمهما القوي لإسرائيل وليس لحلفائهما الآخرين من العرب أو الغرب، وهو تأكيد متواصل وقديم من الإدارات الأميركية، ولكن الحقيقة المرة أن أميركا وإسرائيل عملة واحدة لا تنفصلان، وسعي العرب للانخراط في مؤتمرات دولية للسلام برعاية أميركية لا جدوى منها بتاتا، إلا إذا جاءت من الدول الأخرى الداعمة للسلام الحقيقي وحل الدولتين وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.!
فقد أكد الرئيس الأميركي بايدن، عزمه الوقوف مع إسرائيل، رغم سعيه للترويج لخطة وقف إطلاق النار التي طرحها ولم تلق دعماً من نتانياهو، في المقابل، كرر ترامب زعمه أن «حماس لم يكن لها أن تهاجم إسرائيل، ولا حتى بعد مليون عام، لو كان رئيسا».
نعرف العلاقة الأميركية والغربية مع إسرائيل وسبب إقامتها في الشرق الأوسط، لذا علينا كعرب ومسلمين بعد أن عرف العالم بأكمله، وشهد جرائم إسرائيل وحلفائها، وانكشفت أكاذيبهم وإعلامهم الغربي، أن تتجه البوصلة نحو الشرق تجاريا واقتصاديا وأمنيا، والطريق إلى لاهاي أصبح ممهدا للقادة الإسرائيليين.
فالنظام الدولي الانفرادي الذي كان سائدا في العقود الماضية سيتغير بعد أن أثبت فشله لتحقيق استقرار العالم، ونزعت ورقة التوت، وتعرت أميركا وحلفاؤها وأصدقاؤها، وأصبح العالم يعرف حقيقة النظام العالمي وأهدافه، وظلت احتلال فلسطين من دون حل لسنوات وسنوات، فأي مجلس أمن هذا وأي وأي، فسقطت كل الأقنعة وتعرت دول ومنظمات وجماعات ولم يبق إلا بناء كيان جديد عالمي يعيد الأمان والاستقرار والعدالة للجميع، ما دام السياسة الأميركية تدار من غرف مكشوفة وليس البيت الأبيض.!
الأوضاع تتغير، والتحولات السياسية التي تشهدها أوروبا بصعود نجم الأحزاب اليمينية فيها وبقوة، هي بداية للتصحيح، فلن تذهب قطرات الدماء لأكثر من ثلاثة عشر ألف طفل جراء الحرب دون ذنب اقترفوه سدا، أو عدد القتلى الذي يفوق الأربعين ألفا كذلك، فأهل غزة صامدون متحدون، والاعترافات بالدولة الفلسطينية ستزداد أكثر وأكثر بعد أن وصل العدد إلى 145 دولة من أصل 193 دولة (الأعضاء في الأمم المتحدة).
لذا علينا كعرب السعي الحقيقي مع الدول الداعمة والمؤثرة لتكريس حل الدولتين الذي لا تزال إسرائيل ترفضه وتعتبره تهديداً لأمنها، بل لوجودها، وأملنا كبير في اللجنة العربية الإسلامية برئاسة وزير خارجية المملكة العربية السعودية إيقاف الحرب وزيادة الاعتراف، وتحقيق الاستقرار والتنمية، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرّين منذ عقود طويلة.
فقد انكشف الغطاء عن إدعاء إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية، وعن أميركا بأنها دولة داعمة لحل الدولتين، واليوم نرى أن ضمير العالم بدأ يتغير وهناك تغييرات، فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية صادقة لإيقاف نزيف دماء الأبرياء والاكتفاء بما تم من حرب إبادة، فعليها أن تلزم إسرائيل بإيقاف القتال، وسحب جيشها من غزة والاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما تطالب به حماس، وبذلك يتحقق الحل العادل والمنصف، والذي ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، ويعيد لأميركا هيبتها المتعثرة عالميا، ومناظرة بايدن وترامب لخير دليل.. والله من وراء القصد.