+ A
A -
طلال أبوغزالة مفكر عربي

منذ عصورٍ بعيدة، كان الغرب يتربع على عرش القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية في العالم، فقد كانت دول الغرب تشكّل مركزًا للابتكار والتقدم، حيث سارع العديد من الأفراد والمجتمعات في العالم العربي إلى تبنّي الغرب كنموذجٍ يحتذون به، ومرجعٍ يستشيرونه في تحقيق التقدم والتحضر. لكن هذا الاندماج الثقافي والاقتصادي والسياسي مع بعض دول الغرب يثير تساؤلات شائكة: هل لا زال العرب يرون في الغرب مرجعًا لهم؟ وهل يعني الاندماج فقدان القدرة على الوقوف بأنفسهم واتخاذ القرارات المستقلة؟

وها هي النتيجة المُرَة تبرز واضحة! فشعوب الجنوب بأسرها تغرق في عتمة الجهل، والتبعية وراء الغرب، فتغيبَ عنها الوعي، وتعجز عن استعادة وعيها الأصلي، مقيدةً بالنظرة المحدودة لما بعد حدودها الضيقة، وما يخدم طغاة الزمن وأذنابهم أكثر من ضياع الوعي لدى الشعوب. وما كانت نتيجة كل ذلك إلا استمرار الشعوب في خضوعها تحت أقدام العبودية، محكومة بقيود الجهل والتبعية.

تبرز إحدى أبرز مظاهر الاندماج الغربي بقوة في تأثيرها السياسي والاقتصادي المدوي، فعلى الرغم من التحولات السياسية الكبيرة والثورات الهائلة التي اجتاحت بعض أقطار العالم العربي في السنوات الأخيرة، إلا أن الكثير من هذه الدول لا تزال تعتمد بشكل شبه كامل على دعمها الاقتصادي والعسكري من الدول الغربية. وهذا الاعتماد المستمر قد يكون السبب الرئيسي في عدم القدرة على اتخاذ القرارات المستقلة وعدم إيقاف الصراعات المستمرة في مناطق مثل غزة.

من يعتقد أن زمن الأصنام قد ولى، فهو مخطئ! ومن يظن أن زمن العبودية قد انقضى، فليكن على علم أيضا بأنه مخطئ. فالاستعمار لا يزال حاضرًا، والاستعمار الفكري والثقافي لا يزال يتخذ مناطقنا محطته الرئيسية. وما زال الشعب جاهزًا للخضوع مجددًا إذا ما عاد الاستعمار بوجهه الجديد، دون أن يفكر في دفع ثمن الحرية التي ينبغي أن يتمتع بها، إنه الواقع الذي نعيشه اليوم، والذي يستحق أن نقف ضده بكل قوة وعزيمة.

في مناطق مثل غزة، يثبت الصراع المستمر تحديًا حقيقيًا للهوية العربية ولقدرتها على الوقوف بمفردها وحماية مصالحها. ومع ذلك، يظل الاعتماد المستمر على الدعم الغربي يعيق اتخاذ الخطوات الجريئة لوقف هذه الحروب وتحقيق السلام.

في هذا السياق المحوري، يُنظر إلى أمة مكلومة، تعاني من آثار الصراع والتهميش، تبحث عن نفسها في زمن اليأس. وفي وقت يُعتبر فيه الصمت شكلاً من أشكال الرضا، يتم حجب أصوات العلماء والمفكرين، مع محاولات تقييدهم أو تجنيدهم، بينما تظل الأفكار المتطرفة تمارس نفوذها.

وفي ظل هذا الواقع القاسي، تبدو المؤسسات العربية مُشلولة، فالتعليم في حالة من التدهور المستمر، والإعلام يُعرَض للرشاوى والتلاعب. إنها صورة قاتمة لواقع يعج بالتحديات والصعوبات.

إنه الوقت المناسب لإعادة بناء الهوية العربية، ولبناء علاقات جديدة مع الغرب تقوم على التعاون المتبادل والاحترام المتبادل. إنها رحلة طويلة وصعبة، لكنها ضرورية لتحقيق التغيير المنشود وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

copy short url   نسخ
03/07/2024
5