أكثر ما نهتم به هذه الأيام في ظل عصر دائم التغير هو كيف نبدو أمام الآخرين، حيث أصبحت القشور الخارجية هي كل شيء في زمن غدت فيه المادة أولوية قصوى في حياة الجميع تقريباً، مما زاد إقبال الناس وخصوصاً أبناء الجيل الحالي على عيادات التجميل وكل ما له علاقة بتحسين المظهر الخارجي.
ولا يقتصر هذا الأمر على الفتيات، بل يتعداه في وقتنا الراهن إلى جيل الشباب، الذين أصبحوا أكثر التفاتاً إلى مثل تلك الأمور بغية جذب الأنظار إليهم وكسب رضا الغير، والظهور بصورة تثير إعجاب الكل من حولهم.
اليوم، يحكم عليك الكثيرون تبعاً لما تبدو عليه ظاهريّاً، لكن رغم ذلك يبقى التأثير الذي تُحدثه فيهم من هذه الناحية سريعاً يتلاشى بعد حين، ففي نهاية المطاف سيُكشف الستار وتُرى على حقيقتك بعيداً عن القناع الذي يغطي داخلك.
وبغض النظر عن التطور الحضاري والتقدم العلمي والطبي في وقتنا الراهن، إلى جانب القفزات النوعية التي حققتها البشرية خلال العقود الماضية في شتى المجالات، إلا أن كثيراً ممن يحاولون تغيير أشكالهم يبدون وكأنهم أصبحوا أشبه بدمى بلاستيكية متحركة بأوجه لا تنبض بالحياة، وكأن تلك المحاولات المستميتة للظهور بمظهر أجمل تؤدي نقيض ما يُرجى منها، ويبقى الجمال الطبيعي هو سيد كل المواقف.
وإذا قمنا بعمل استبيان لتقصي الآراء فلا بد أننا سنكتشف معلومة غاية في الأهمية، وهي إجماع معظم البشر على أن جمال الروح والعقل أحلى بكثير من المظهر الخارجي الذي يكون خادعاً في كثير من الأوقات.
فما الجميل في رجل وسيم يحتقر النساء في كل محفل، ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه، وهمه الوحيد في هذه الحياة هو نفسه وعلى الباقي السلام؟! وما السحر الكامن في امرأة خضعت لعشرات العمليات التجميلية، بينما تفتقر إلى الطيبة والتواضع، ولا تفكر سوى بالمال وجعل نفسها تبدو أجمل في نظر الآخرين؟!
لذلك ورغم كل المظاهر السطحية والمادية من حولنا، إلا أن جمال العقل والروح يظل المعيار الأمثل للجمال الحقيقي. لهذا، ليس من المستغرب أن تجد شخصاً لم يحظَ بقدر وافر من الجمال، إلا أنه محبوب وسط عائلته، وكل من يعرفه يشهد بكرمه وأخلاقه العالية. ولا غرابة في أن تلقى امرأة لا تملك الكثير من مقومات الجمال الخارجي، غير أنها تحظى باحترام الكل بسبب لطفها الشديد وطيبة قلبها وعطائها المستمر.
فإذا كنت ممن يعتقدون أن الجمال الخارجي هو كل شيء، فلربما عليك أن تعيد التفكير؛ لأن الحقيقة أن الجمال الداخلي هو الذي يبقى ولا يتقادم مع مرور السنين. أما جسدك فلا بد أن يشيخ يوماً ويفقد كثيراً من سحره وبريقه مهما حاولت تجميله واعتنيت به.
من هذا المنطلق، فإن تزيين أخلاقك وأدبك، وتوسيع مداركك وسعيك الحثيث لمساعدة الغير ونجدة المظلوم وفعل الخير بصورة منتظمة، إلى جانب الارتقاء بشكل مستمر بأخلاقك والقيم التي تسير على نهجها، هو السبيل الأمثل لتكون أجمل في أعين الناس مهما كان عمرك وشكل جسدك. يقول حافظ إبراهيم:
فإذا رُزقتَ خليقةً محمودة
فقدِ اصطفاك مقسِّمُ الأرزاقِ
فالناسُ هذا حظُّه مالٌ، وذا
علمٌ، وذاك مكارم الأخلاقِ