إذا كانت «الثورة الصناعية» الأوروبية هي التي أنهت الامبراطورية الإسلامية، فإن ثورة التكنولوجيا القائمة حالياً سوف تؤدي إلى إنهاء المسلمين، إذا فاتهم التعامل معها، وانشغلوا عنها في مناقشة مدى توافق هذه التكنولوجيا مع الإسلام، كما فاتهم التعامل مع الثورة الصناعية، حيث انشغل المسلمون في مناقشة توافق عملية التحديث الصناعي مع الإسلام.. بل انشغلوا لسنوات طوال في الإجابة عن السؤال: هل من الممكن استخدام الكهرباء في المساجد أم لا؟ بينما كان الأوروبيون منهمكين في تطبيق معارفهم الجديدة في مجالات الميكانيكا الهندسية بما يسمح بتخفيض عدد العمال وأن تستبدل بهم الآلات، ويقومون بتدريب وإعادة تأهيل عمالهم ليعملوا في المصانع، ويطورون تقنيات الإنتاج الضخم ويعملون بدأب لتحسين جودة منتجاتهم وخفض التكاليف، ويعملون على تحسين سرعة وقدرة وسائل المواصلات حتى تستطيع الوصول إلى أسواق جديدة والهيمنة عليها، ويعملون على إنتاج أسلحة متطورة وهكذا وضعوا نهاية للامبراطورية الإسلامية وحين وضعوا تلك النهاية زرعوا في قلب العالم الإسلامي جسماً غريباً من أجل استمرار هذه النهاية.. والدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، محق في إطلاق صرخته (نعم- الثورة الصناعية هي التي دمرت الامبراطورية الإسلامية) وهو محق في إطلاق تحذيره حول وضعنا الراهن الذي لا يحتمل أي تراخٍ أو جعجعة بلا طحن حين يقول: لن نستطيع أن نتحمل ذلك الوضع في الوقت الحالي، لأنه لو حدث ثانية وفقدنا فرصة مواكبة التطورات الجذرية والسريعة التي تحدث الآن في عالم التكنولوجيا والعلوم وما ينتج عنها من تغيرات في استقبال العالم لكثير من الأشياء والأفكار والمفاهيم في العلاقات الإنسانية والدولية، وإذا فاتنا ذلك وفشلنا في التعامل معه، فلن نتعرض للتهميش فقط، بل سنتعرض لسيطرة وهيمنة دائمتين، إذا لم نكن نتعرض للإبادة.. أما كيف نواجه ذلك.. لنحافظ على وجودنا كعرب وكمسلمين؟.. نحن حقيقة في حاجة إلى قادة يعون ما يجري، وأن نرفض التقسيمات الحدودية التي فرضها الغرب علينا، فعندما كانت شعوب آسيا وإفريقيا لا تعرف الحدود السياسية وكانت تعيش في قبائل وإمارات متجاورة ومتداخلة طالب الغرب بأن يتم تقسيم القارتين إلى دول ذات حدود سياسية واضحة، وذلك دون أدنى اعتبار للتنافر العرقي والديني الذي ستحيط به هذه الحدود والتي فرضتها القوى الاستعمارية لتحقيق مصالحها وأهدافها.
ويقول الدكتور مهاتير محمد في هذا الشأن: «والآن وبعد 100 سنة من الحروب والكفاح ضد المستعمر وبعد خمسين سنة من نشأة فكرة الدولة دون أن نستوعبها تأتي الدول الاستعمارية متخلية عن جيوشها لتدعونا إلى الحدود في مجالات التجارة وأن الدول الاستعمارية، تريدنا إزالة الحدود التجارية لتفرض هيمنة جديدة وبأسلوب جديد، ولا تطلب إزالة الحدود السياسية، وإقامة الدولة الإسلامية الواحدة».
ونحن حقيقة أمام تحدٍ جديد، ولمواجهة هذا التحدي، علينا ألا نفوت الفرصة في اللحاق بركب التكنولوجيا والعلوم، وعلينا أن نزيل حدودنا السياسية مع أهلنا وجيراننا لتكون ديار المسلمين مفتوحة على بعضها، حتى تستطيع أن تقاوم هذا الاستعمار الجديد، الذي يريد أن يستفرد بكل دولة على حدة ليفرض هيمنته التجارية والاقتصادية والسياسية، فإذا لحقنا بركب التكنولوجيا وعملنا على بناء وطن إسلامي واحد من ماليزيا حتى المغرب، مع احتفاظ كل بلد بخصوصيته وحكمه وتقاليده. فإننا سنجد لنا مكاناً على خريطة هذا العالم.. لكن كيف يكون ذلك، وتلك الصرخات حتى لو كانت بحجم صرخة مهاتير محمد تطير في الهواء، فلا قلب يعي، ولا عقل يستوعب، ومع ذلك الأمل في أبنائنا في أن يبدؤوا من الآن بإقامة المصانع التكنولوجية والشركات التكنولوجية، وأن يبدؤوا ولو مقلدين، ثم ليكونوا مبتكرين، فليس معقولاً أن نبقى تابعين تفرض علينا الهيمنة ونحن غافلون.. فمن يقرع الجرس، وفي أي بلد.. بعد كوالالمبور.
بقلم : سمير البرغوثي