+ A
A -

بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا وخسارة اليمين المُتطرِّف الجولة الثانية منها تحولت الأنظار نحو الفريق الفائز وقدرته على تحقيق الوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية. «الجبهة الشعبية الجديدة» تصدرت التشريعيات لكنها لم تحصل على الأغلبية اللازمة لتحكم بيسر ولكي تستطيع بمفردها تمرير القوانين داخل البرلمان.

الجبهة الاشتراكية ضمت أحزابا تختلف في الرؤية والتوجه مثل «حزب فرنسا الأبية» و«الحزب الشيوعي» و«حزب الخضر» و«الحزب الاشتراكي» لكنها نجحت في إيقاف زحف اليمين المتطرف وهو ما يعدّ مكسبا تاريخيا لها. لكنّ هذا الإنجاز لن يكون ذا قيمة حقيقية ما لم تمنع الجبهة شروط تجدده بالعمل على تجاوز الأزمة التي خلقها حكم الرئيس ماكرون.

داخليا تنتظر الحكومةَ القادمة ملفاتٌ حاسمة مثل ملف التقاعد والقدرة الشرائية وترفيع الأجور وملف الهجرة والضرائب والأمن وهي الملفات التي تسببت في هزيمة فريق ماكرون اليميني وقوّت من حظوظ اليمين المتطرف. إن فشل اليسار هذه المرة في إدارة الملفات الداخلية الحساسة سيفتح الطريق من جديد لصعود اليمين المتطرف في مواعيد انتخابية قادمة وهو ما يضع على عاتق المنتصرين الجدد تحديات جسيمة.

صحيح أن المجتمع الفرنسي قد عبر عن رفضه لحكم القوى المتطرفة لكنه لن يكتفي هذه المرة بإيقاف زحفها بل سيطالب بمزيد من العدالة الاجتماعية ومحاربة تفقير الطبقات الأكثر هشاشة. لن يكتفي كذلك بالوعود الانتخابية مثل عودة سن التقاعد إلى ستين سنة بدل أربع وستين ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ألف وستمائة أورو وضبط أسعار السلع الأساسية والإيجارات ومواد الطاقة.. بل سيطالب كذلك بضمان الأمن والحد من انتشار الجريمة وإعادة هيبة الدولة في الداخل والخارج وخاصة ما يتعلق بملفات الهجرة.

كيف ستتصرف الحكومة القادمة في ملفات خارجية شائكة مثل الحرب في أوكرانيا والحضور الفرنسي في أفريقيا والعالم العربي؟ وكيف ستتحرك داخل الفضاء الأوروبي مع حضور قوى للكتل الأوروبية؟ يبدو أن هامش الحركة في الخارج يضيق أمام فرنسا بعد صعود قوى جديدة وتكتلات اقتصادية تهدد وجودها في أفريقيا والمنطقة العربية أو حتى داخل المنزل الأوروبي نفسه الذي تزداد فيه المنافسة ضراوة يوما بعد يوم.

تحديات حاسمة تواجه الكتلة المنتخبة وخاصة في غرفة البرلمان بتحقيق القدرة على تكوين أغلبية مريحة لسن القوانين والمصادقة عليها وعدم السقوط في شلل «التعايش» الذي ميّز فترة حكم «ميتران» الاشتراكي و«شيراك» اليميني 1986 - 1988.

copy short url   نسخ
12/07/2024
35