+ A
A -
أكرم الفرجابي

أكد عدد من الأكاديميين وعلماء الدين على أن ضبط مجال الفتوى يساهم في استقرار المجتمعات ويقطع الطريق على «الجهلاء بالدين»، مشيدين بخطوة إطلاق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لخدمة «الفتاوى الحيّة» للرد على الفتاوى والاستفسارات الشرعية عبر تطبيق «واتس آب»، انطلاقا من رؤية الوزارة في أن يكون موقع الشبكة الإسلامية «إسلام ويب» المرجع والملاذ الإعلامي الأول على شبكة الإنترنت الذي يقدم للمستخدمين المعارف الشرعية الموثوقة.

وتطرقوا في حديثهم لـ الوطن إلى ايجابيات الفتاوى المباشرة عبر الوسائط، كسهولة الوصول إلى المتخصص وسرعة الجواب، بالإضافة إلى قدرة المرء على سماع وجهات نظر في مسائل شرعية يسأل عنها ممن يجيبونه باختلاف مدارسهم الفقهية وأصقاعهم، وكذلك قدرة المستفتي على التعقيب على فتوى المفتي ومحاولة الوصول إليه مرة أخرى حالما يستشكل شيئا أو يريد توضيح الفتوى، أو يعقب عليه في ذلك، والمفتي كذلك بإمكانه الوصول إلى الطرف الآخر.

الفتاوى المباشرة

وتعليقا على إطلاق وزارة الأوقاف لخدمة «الفتاوى الحيّة» يقول فضيلة الداعية الدكتور محمود عبد العزيز: إن إطلاق الفتاوى المباشرة عبر الوسائط الحديثة مثل تطبيق «واتس آب» قد يغني عن اللقاء المباشر، لأن اللقاء المباشر بين السائل والفقيه هو الأصل؛ لكن مع التطور التكنولوجي والسعي إلى توفير الوقت والجهد واختصار الزمن ومواكبة العصر والوصول إلى شريحة جديدة وكبيرة من الشباب والفتيات والنساء ورجال الأعمال والمغتربين للدراسة والأقليات المسلمة في الغرب وغيرهم من الفئات، فكان لابد من استحداث هذه الوسائط بقرار حكيم وشجاع مبني على دراسات وبحوث قام عليها خبراء في الشريعة والتكنولوجيا.

وحول صفات العلماء الذين يحق لهم أن يتصدوا للفتيا، يشير فضيلته إلى أن الله تعالى خاطب الذين لا يعلمون بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأهل الذكر مبينون بأمرين: العلم بشرع الله وتنزيله على المسائل الواقعة، والمسألة الثانية الديانة، فقد يكون لديه علم، ولكن ليس له ديانة، أي ورع وتقوى، وهذا لا يصلح أن يفتي للناس، منوها بأنه لا يجوز أن يلي أمر الإفتاء إلا من تتحقق فيه الشروط المقررة شرعا، وأهمها: العلم بكتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بهما من علوم، والعلم بمواطن الإجماع والخلاف والمذاهب والآراء الفقهية، والمعرفة التامة بأصول الفقه ومبادئه وقواعده ومقاصد الشريعة، والعلوم المساعدة مثل: النحو والصرف والبلاغة، واللغة، والمنطق، وغيرها، والمعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، وأوضاع العصر ومستجداته، ومراعاة تغيرها فيما بني على العرف المعتبر الذي لا يصادم النص، القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص.

أهل الخبرة

ونوه فضيلته بأهمية الرجوع إلى أهل الخبرة في التخصصات المختلفة لتصور المسألة المسؤول عنها، كالمسائل الطبية والاقتصادية ونحوها، بحيث أن يكون من العلماء المتخصصين في علوم الشريعة المحققين لرتبة متقدمة تؤهلهم للفتوى العالمية وليست المحلية فقط، وذلك بالتمكن من: معرفة المذاهب الفقهية المختلفة المنتشرة في العالم الإسلامي أو في الأقل في المنطقة الموجه إليها البث، والمعرفة بأحكام النوازل المعاصرة التي يكثر السؤال عنها، والاطلاع على قرارات المجامع الفقهية؛ نظرا لما تمثله تلك القرارات موجهات دقيقة في قضايا ذات أهمية كبيرة تعيد المفتي إذا التزم بها، والتزود بالمعرفة الثقافية المعاصرة مما يتعلق ويحل بالمجتمعات الإسلامية من قضايا يغلب على الظن التعرض لها من قبل المشاهدين، وأن لا يكون المفتي من المعروفين بالتشدد أو التساهل في الفتوى، أو ممن عرف عنهم الفتاوى الشاذة، وأن يكون من الموصوفين بالعدالة والمقبولين لدى الناس فلا يسمح لمن عرف عنه ضعف الالتزام الشرعي أو التلاعب بدين الله، بحيث يسقط اعتبار الناس له، ولم تعد الثقة في فتواه موجودة، وأن يتمتع بأسلوب فصيح، ولغة واضحة مقبولة، بحيث يتمكن من إيصال مراده إلى الناس، وأن يَتسم بالوقار والسَمت الحَسن.

وفيما يتعلق بإيجابيات وسلبيات خدمة «الفتاوى الحيّة»، يقول فضيلته: إن الأكثر أهمية في هذه الناحية أن الفتوى تصل إلى المرأة في بيتها والمقيم في الشرق أو الغرب في مكان إقامته؛ دون الانتقال إلى البلد أو الموقع الذي يكون فيه المفتي، فقد يثق إنسان بعالم ما ولا يستطيع الوصول إليه فيتصل به مباشرة ويستفتيه، فمن إيجابيات الفتاوى المباشرة عبر الوسائط: سهولة الوصول إلى المتخصص وسرعة الجواب، بالإضافة إلى قدرة المرء على سماع وجهات نظر في مسائل شرعية يسأل عنها ممن يجيبونه باختلاف مدارسهم الفقهية وأصقاعهم، وكذلك قدرة المستفتي على التعقيب على فتوى المفتي ومحاولة الوصول إليه مرة أخرى حالما يستشكل شيئا أو يريد توضيح الفتوى، أو يعقب عليه في ذلك، والمفتي كذلك بإمكانه الوصول إلى الطرف الآخر، أما عن أخطر سلبيات الفتوى عبر الوسائط الحديثة والرد التلقائي خطورة استفتاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو المفتي الالكتروني أو الرد الالكتروني التلقائي فقد لا يلبي احتياج السائل أو تضع له فتاوى أخرى قد لا يحتاجها.

ضبط الفتوى

وأجاب فضيلة الداعية الدكتور محمود عبد العزيز على سؤال حول كيفية ضبط إصدار الفتوى في ظل انتشار القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي؟ قائلا: أدت الفتوى عبر القنوات الفضائية إلى إثارة الشكوك وخلخلة الثقة بفتاوى المفتي المباشر؛ وذلك أن المستفتي والمستقبل للفتوى يسمع فتاوى مخالفة لما عهد وسمع من مفتيه أو مفتي بلدته وهذا الأمر لا غرابة في حدوثه لأن المذهب المختلف سيؤدي إلى فتوى مختلفة. وحتى تزول آثار هذه الظاهرة تحتاج المسألة إلى وقت ومنهج ليستطيع الناس قبول الاختلاف والتعامل الإيجابي معه، مبينا أن ظاهرة الفتوى على وسائل التواصل تتضمن سلبيات كثيرة، منها إفتاء غير المتخصص والمتأهل ممن يشهد له بالرسوخ بالعلم، ومنها أن أجوبة بعض المفتين فيها من التندر والسخرية والإجابات الارتجالية غير المحررة ولا المعمقة، لافتا إلى أن الفتوى عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لا تختلف عن الفتوى التي يصدرها المفتي من مكتبه أو في السوق حينما يسأل عن مسألة ما، أو عبر الهاتف، أو في البيت، أو في المسجد.. وفي هذا المفهوم جانب كبير من الحق والصواب، غير أن هناك عدة فوارق بين النوعين من الفتوى (الفضائية والعادية المباشرة) أهمها: أن المطلع على الفتوى المباشرة في السوق أو المسجد أو المكتب.. إنما هو المستفتي فقط، أو العدد القليل جدا ممن يكونون موجودين إبان إصدار الفتوى، أما الفتوى الفضائية فلسوف يسمعها آلاف، بل ملايين من البشر، الصغار والكبار، المسلم وغير المسلم، الجاهل والمتعلم، الرجل والمرأة، وأن الحديث المباشر الحقيقي يختلف من حيث الأثر والتفاعل عن الحديث الذي يبث عبر الوسائط، فالمحاورة وإن كانت موجودة نوعا ما إلا أنها مختلفة، والمواجهة (وجها لوجه) لها تأثير على القبول والشعور بصدق الواقعة وهيبة الفتوى والعلم الشرعي، أكثر من الوسائط الحديثة.

الرأي الشرعي

ومن ناحيته يرى الدكتور عبد السلام أبو سمحة، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة في جامعة قطر، أن فكرة إطلاق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لخدمة «الفتاوى الحيّة» فكرة رائدة ومميزة تقرب المسائل العلمية إلى جمهور المستمعين بل فكرة تستطيع أن تصل إلى كل بيت وشخص بالرأي الشرعي الحكيم الحصيف، باعتبار أن من يقومون على أمر الفتوى بالوزارة على قدر من الكفاءة العملية والمعرفة بأحوال المجتمع ونوازله وقضاياه، ومن ناحية أخرى تتيح هذه الخدمة أمر الفتوى للناس بشكل ميسر يرجع فيها إلى مراجع علمية معروفة ومدروسة، وهنا نأمل من الوزارة أن تكون الإجابات عن الاستفسارات كلها مرصودة ومسجلة ويتم إجراء دراسات عليها حتى تكون هذه الخدمة التي تقدمها الوزارة مراجعة ومدققة يستفاد من تجاربها.وأكد د. أبو سمحة أن حصر إصدار الفتاوى في عدد من العلماء فيها تضيق، قائلا: نعم جميل أن تكون الفتوى في جملة من العلماء وفي مجموعة من العلماء لكن حصرها على هؤلاء العلماء قد يضيق واسعا، لكن بالمقابل كذلك فتحها لكل متحدث فاليوم اختلط لدينا مفهوم الداعية بمفهوم الفقيه ومفهوم العالم التربوي أو المفكر بمفهوم الفقيه، مبينا أن تحديد مجموعة من العلماء للإفتاء عبر «الواتس آب» هذه فكرة ممتازة، لكن لا يمنع غيرهم من إصدار الفتوى إن كان أهلا لذلك.

واقع التجربة

وأوضح د. أبو سمحة أن كل أمر جديد يقع تحت دائرة الإيجابيات والسلبيات، ولكن من يقرر حجم المصلحة فيه والمفسدة هو التجربة، بمعنى ألا نستبق الأمر ونطلق سيل من السلبيات على مثل هذه الحالة أو الإيجابيات على تلك الحالة دون أن نستند إلى دراسة من واقع التجربة، قائلا: في ظني إيجابيات خدمة «الفتاوى الحيّة» في منطلقها ستكون أكثر من سلبياتها، والسبب في ذلك إننا اليوم في عصر السرعة والانفتاح على أهل العلم، والأصل في اهل العلم وأهل الفتوى أن يكونوا أقرب الناس إلى الناس تلبية لحاجاتهم فهذا من أهم الإيجابيات التي تصنعها قضية الفتوى عبر «الواتس آب» بحيث يكون في حالة من القرب بين المفتي الذي يعايش هموم الناس وبين الناس الذين لديهم من المشاكل والنوازل والقضايا التي يريدون فيها استفتاء أهل العلم، قد تكون في بعض السلبيات يكشفها الميدان والواقع التطبيقي لهذه الفكرة يمكن أن تدرس ثم تخضع لعملية وضع الحلول لكن بشكل عام هي فكرة ممتازة للغاية.وبدوره يقول فضيلة الداعية موافي عزب، أن من الأولى والأفضل أن يكون هنالك ضبط لإصدار الفتوى، بواسطة جهة معينة بوزارة الأوقاف مختصة فقط بالإجابة على الأسئلة والاستفسارات بالرجوع إلى الفتاوى المعتبرة بدءا من فتاوى النبي عليه الصلاة والسلام مع صحابته الكرام، خاصة المشهورين بالفتوى، مرورا بعلماء المسلمين إلى يومنا هذا، منوها بأنه لا مانع أن يكون لدينا نافذة خاصة فقط بالفتاوى الشرعية الصادرة عبر «الواتس آب» على ألا يكون المفتي ضعيف في المستوى العلمي وإنما يكون من أهل الإفتاء المبرزين في الفقه الإسلامي بمذاهبه كلها، في الفتاوى المتعلقة بعبادة المسلم كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، والمتعلقة بالمعاملات وسائر الاستشكالات الشرعية التي لا تحتاج إلى تفصيل وتأصيل، حيث أن مستخدم خدمة «الفتاوى الحيّة» يستطيع البحث في مئات آلاف الفتاوى التي قدمها «إسلام ويب» عبر مسيرته منذ أكثر من «25» عاما، كما يستطيع إرسال الأسئلة مباشرة ليقوم الفريق الشرعي المختص بالموقع بتقديم الإجابة الشرعية في المحادثة.

copy short url   نسخ
14/07/2024
70