استعمل معاوية بن أبي سفيان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد على الجيش وقد جمعت الروم جيشها لقتال المسلمين، وكتب له عهدا، ثم قال له: ما تصنع بعهدي هذا؟فقال: أتخذه إماما فلا أتجاوزه.فقال له معاوية: رد إلي عهدي.. وقام بعزله!ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي، وقال له: لقد وليتك إمارة الجيش، وهذا عهدي، فما أنت صانع به؟فقال: أتخذه إماما ما وافق الحزم، فإن خالفه خالفته، وأعملت رأيي!فقال له معاوية: أنت لها!إن الذي كان يبحث عنه معاوية في الرجال الذين يستخدمهم، هو أحد مبادئ الإدارة الحديثة اليوم، ألا وهو مبدأ التفويض!بمعنى أن رئيس الحكومة يكلف وزيرا لحقيبة وزارية، ليرى واقع الحال، ويتخذ القرارات بناء على ما رأى، لا أن يرجع إليه في كل صغيرة وكبيرة!فما الحاجة إلى شخص عاجز عن اتخاذ أي قرار!ومبدأ التفويض في الإدارة كان أول من أرساه في الإسلام هو الخليفة الأول، وصديق هذه الأمة سيدنا أبوبكر، فقد كان يولي الرجل أمرا، ويضع له المبادئ العامة، ثم يترك له التفاصيل، يعمل بها رأيه، لأن الذي يشهد الحدث أبصر من الذي لم يشهده، والذي يعيش الواقع أعلم به من الغائب عنه!وعلى هذا سار عمر بن الخطاب، فعندما فتح أبو عبيدة بن الجراح أنطاكية، أرسل إليه يستأذنه في عدم الإقامة فيها، ومواصلة القتال.فأرسل إليه الفاروق يقول: أنت الشاهد وأنا الغائب، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وأنت بحضرة عدوك، وعيونك يأتونك بالأخبار، فإن رأيت أن الدخول إلى الروب (مدينة قريبة من معسكر الجيش) صوابا فأرسل سراياك على بركة الله!والتفويض ليس للإدارات العامة، ولا للجيوش فقط! إنه ينفع في البيوت كذلك، البيت الذي تأخذ الزوجة فرصتها في إدارة شؤونه الداخلية، في تفاصيل حياتية يومية هو بيت ناجح، فارفعوا أيديكم قليلا! الزوج الذي يريد أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة حتى في مكان الكنبة والمزهرية، غثيث وممل!
bin.saeeda@hotmail.com