+ A
A -

معظمنا يريد أن يحظى بالأصدقاء والحب وأن يكون محط اهتمام الجميع. هذا ما يدفع الكثيرين إلى فعل أي شيء في سبيل نيل هذا المطلب، خصوصاً في علاقات الحب بين الرجل والمرأة، حيث قد يفعل شريك الحياة المستحيل في سبيل استمرار العلاقة إلى درجة يمكن أن تصل أحياناً إلى مرحلة مرضية عندما يصبح الشخص أسيراً لاهتمامه بالآخر إلى حد الانفصال عن الواقع والابتعاد عمَّن حوله ما عدا الإنسان الذي اتخذه محط اهتمامه.

يعاني مرضى الاهتمام المفرط من الإحساس الدائم بالمسؤولية. إنهم يحملون أنفسهم ذنب تصرفات الآخرين السلبية تجاه أنفسهم أو تجاههم. ربما سمعت عن تلك الزوجة التي تلاحق زوجها في كل مكان خوفاً من أن يحب غيرها يوماً، فتخنقه باهتمامها الزائد، ظنّاً منها أن مثل ذاك الاهتمام ومراقبة الشريك باستمرار ستضمن لها استمرار حبه له وإخلاصه لها؛ غير مدركة أنها مهما فعلت لن تستطيع مراقبته كل الوقت.

إن لمرض الاهتمام أشكال متنوعة لا يمكن حصرها، فلكن إنسان تجربته الخاصة. لكن بشكل عام فإن الاهتمام المرضي جانبان اثنان: شخص يؤذي ذاته باهتمامه المفرط بإصلاح حياة الآخرين، وآخر يبحث عمن يهتم به بصورة جنونية حتى يشعر أن لحياته قيمة ومغزى. وكلا الطرفين يعانان، لكن أكثرهما معاناة هو الأول الذي بدلاً من تركيز انتباهه على تحسين حياته وحل مشكلاته، يحاول إصلاح حياة الغير ويتدخل في حل مشكلاتهم الشخصية بشكل متسلط مرضي يصبح شكلاً من أشكال التملُّك في علاقات الحب بين المخطوبين أو المتزوجين مثلاً، حيث يحاول الزوج أو الزوجة فرض السيطرة على الطرف الآخر بدافع من اهتمام مفرط يعبر عن نفسه بصورة سلبية.

فإذا كنت ممن يعانون هذه الحالة النفسية، ربما تبحث عن حل. فما هو الحل؟ عندما يصل الإنسان إلى مرحلة يشعر فيها بأن حياته لا تسير على ما يرام وبأنه ليس سعيداً بما يفعله، ويتنبه إلى ما يجعله كذلك؛ عندها فقط يمكن أن يحدث التغيير. فأول خطوة هي إدراكك أن ما تقوم به لم ولن يجلب لك سوى التعاسة. ثم يأتي قرارك الذاتي بأنك لا تريد أن تسمح لسلوكيات الآخرين بالتأثير فيك ورسم الطريقة التي تحيا بها بعد الآن.

من المهم للغاية ألا تقسو على نفسك في مرحلة التغيير؛ لأنك بحاجة إلى كل الأفكار الداعمة والمشاعر الإيجابية التي يمكن أن تساعدك على تحسين حياتك. ابدأ من اليوم في السعي لإسعاد نفسك والعمل من أجل نجاحك، بدلاً من محاولة إسعاد الآخرين بشكل مرضي وجعل وجودك بأسرك يتمحور حول شخص آخر.

أنت لست أسيراً لأحد، ولا عبداً لإنسان، ولا مسؤولاً عن نجاح أو إخفاق الآخرين ولا عن قراراتهم الشخصية. مسؤوليتك الأساسية في الحياة هي أن تنهض بنفسك وتركز على تطوير إمكانياتك وتحقيق النجاح على المستوى الشخصي والمهني.

عليك أن تنتبه جيداً وتدرك أن سعادتك بيديك لا بيد الآخرين. فلا تركز اهتمامك على الآخر، بل على حياتك الشخصية، وهذا ما يدعى بـ «الانفصال»، وهو لا يعني ألا نهتم بمن نحبهم، وألا نتحمل مسؤولية تصرفاتنا ودورنا تجاههم، بل أن نقطع حالة الارتباط العاطفي السلبي وغير الصحي بإدراكنا أن كل شخص مسؤول عن نفسه، وأن حل المشكلات لا يكون بالقلق والتوتر والاهتمام المفرط.

ابدأ في الاهتمام بمسؤولياتك عوضاً عن الاهتمام بمسؤوليات الآخرين وما عليهم فعله، وبذلك تتيح لهم التعلم من تجاربهم وأخطائهم ولا تكون كمن يحاول فرض السيطرة عليهم ويتدخل في حياتهم بأسلوب سلبي.

من المهم كذلك أن تتوقف عن ردود الفعل المتسرعة، من خلال تدريب نفسك على عدم التأثر بسرعة بالمواقف المختلفة. يضاف إلى ذلك أن عليك إسقاط دور الضحية من داخلك. كثير من الناس يشعرون بأنهم ضحايا طوال حياتهم. وما يعمق هذا الإحساس هو شعورنا بأنه تم استغلالنا لأننا بذلنا فوق طاقتنا وأعطينا اهتماماً زائداً تطلب منا بذل مجهود كبير، كنا نظن أنه سيسفر عن تقدير واحترام الطرف الآخر؛ إلا أن العكس هو الذي حصل.

إن مساعدة الآخرين والاهتمام بهم جزء أساسي من العلاقات الاجتماعية الناجحة والسعيدة، لكن أن تكون تلك المساعدة وذلك الاهتمام للتغطية على إحساسنا بعدم السعادة ونقص تقدير الذات، فهذا خاطئ. وهو أشبه بالمخدرات التي تعطي إشباعاً مؤقتاً لصاحبها، ثم يعود إلى حالته الأصلية من الضياع والكآبة والإحساس بالفشل.

لا تعش بعد اليوم دور المنقذ لحياة من حولك طيلة الوقت، حتى لا تتيح للناس استغلالك. فهناك خيط رفيع ما بين الحب المتوازن وبين الحب المفرط، بين العطاء الإيجابي والعطاء السلبي.

أما مهمتك الأكبر، فهي التوقف عن البحث عن السعادة عند الآخرين. السعادة الحقيقة تنبع من الداخل ولا تأتي من الخارج أبداً. فكن مستقلاً بذاتك وابحث عن مشاعر البهجة والفرح والنجاح في داخلك.

copy short url   نسخ
15/07/2024
40