هناك تطور في ملف العلاقات الإيرانية الأميركية يتجه لتنظيم جديد للعلاقات سيأخذ وقتا، ولكنه لن يخرج عن مدارات التعاطي السابق، وهو الحفاظ على استراتيجية قواعد اللعبة لصالح الطرفين، وإدارة الحرب الباردة، عبر حملات إعلامية أو تصريحات سياسية، لكن ذلك لا يمنع من الوصول إلى اتفاق نهائي.
وكما قلنا سابقاً إن أي جهود لبدء مفاوضات عملية لن تخرج للعلن، وهو ما يعني أن طاولة مسقط أو جنيف أو اللوبي الإيراني العريق، الذي قاد الجسور مع حكومة أوباما، قد تكون انطلقت بالفعل، دون اعتراف أي من الطرفين، لأسباب لوجستية معروفة في طريقة الخروج من مواسم التصعيد.
هناك أمرٌ آخر، وهو أن التفكير الأميركي الذي يتعامل اليوم، بكل ابتزاز وامتهان للأطراف الخليجية، ويُدير الملف معها بحسب لغتها الساذجة، في التصوير الإعلامي والسياسي لعلاقة الحكم بالبيت الأبيض، كان لديه تصنيف مختلف لعقل فارس التاريخي، وبراغماتيته الذكية، التي لا علاقة لها بطقوس الخرافة الطائفية، التي نشرها الإيرانيون في المجتمعات العربية الحديثة.
وهو تصنيف متغلغل في قراءة الغرب لحضارات الشرق، ما قبل وما بعد الإسلام، ومع الأسف أن كِلا الطرفين الإيراني والعربي اعتمدوا نسخة ما قبل الإسلام، وإن أطلقوا مسميات دينية أو طائفية لتبرير جاهليتهم وشعوبيتهم.
وهنا نفهم الرسائل التي توجهها أبوظبي لإيران عن تموضع جديد يعترف للقوة الفارسية التاريخية، بقدراتها على الضغط على ساحل عُمان القديم، الذي تحوّل للإمارات المتصالحة تحت العلم البريطاني، ثم إلى دولة اتحادية، وظلت علاقتها وبالذات مع دبي، علاقة استراتيجية اقتصادية، بشريان يصعب على دبي التخلي عنه، هذه العلاقة تقوم على ديمغرافية قوية من أبناء الشعب الإيراني في دبي مرتبطين مع البازار الضخم لطهران، فضلاً عن السوق السري بين الإمارة الصغيرة وإيران.
وحين حاولت الكتلة الاقتصادية من أبناء لبنان، في السبعينات وخاصة ذات المرجعية لحزب الكتائب والتي كان لها استثمارات وحراك اقتصادي في أبو ظبي، منافسة الجالية الإيرانية في دبي، لم تستطع ذلك لأسباب عديدة متعلقة بالجغرافيا الاجتماعية والجيوسياسية مع إيران، وهي علاقة فيها ما هو مستوى طبيعي بين أبناء الشرق المسلم، والجوار لعلاقة العرب وفارس في ضفتي الخليج العربي، وفيها ما هو حرب سوق قذرة تخضع لتفويج مصالح إقليمية متعددة، استثمرت في سوق دبي الذي شُرعّت أبوابه بلا انضباط.
ويُنظر الآن إلى أزمات دبي بما فيها الملف الاجتماعي الحسّاس للشيخ محمد بن راشد المكتوم حاكم دبي، بأن تطور التعاطي مع هذا الملف وأزمات دبي، التي يخشى من انفجار ارتدادات هذا السوق عليها، بأنه جزء من تبعات الحرب العالمية التي خاضتها أبوظبي، على الإسلاميين والحريات في الوطن العربي، واعتبرت أبوظبي أن تحالفها مع حملة الغرب ضد إيران قرار استراتيجي، فجاءتها الصفعة من البيت الأبيض نفسه، ومن شخصية ترامب ذاته.
لقد كانت الحسابات الظبيانية تعتقد أن هذا التحالف مع الغرب جاد على الأقل في مساحة منه، لكن الغرب لم يكن يحسب حساباته بعقلية مشروع ولي عهد أبوظبي، وكان يستثمر فيه بقدر ما يحقق معادلته الاستراتيجية في تحجيم العرب، واستنزاف الثروة التي تقول الأدبيات الأميركية القديمة إن الله جل في علاه «قد أخطأ بوضعها في جزيرة العرب».
انتبهت أبوظبي لهذه الورطة وارتداداتها، وبذات تنظيم حساباتها مع الشريك الإيراني التاريخي، وبالطبع التابع المطيع في الرياض، ورغم أن حجم دولته ومكانته أكبر، استمر في ترصيف الطريق لها، وحاول أن يُعطي مؤشرات تُبقي صورة وهمية عن انسجام سياسته مع واشنطن، لتجاوز صفعة ترامب، غير أن الأداء السعودي لا علاقة له بتحول أبوظبي، الذي سيعزز تموضعها الجديد، ويترك تبعات الملفات على الشريك السعودي، أو على الأرض المحلية في اليمن وغيرها، لتنزف دماءها من جديد، بعد أن أصلح جسوره مع الإرث الفارسي القديم.بقلم: مهنا الحبيل
وكما قلنا سابقاً إن أي جهود لبدء مفاوضات عملية لن تخرج للعلن، وهو ما يعني أن طاولة مسقط أو جنيف أو اللوبي الإيراني العريق، الذي قاد الجسور مع حكومة أوباما، قد تكون انطلقت بالفعل، دون اعتراف أي من الطرفين، لأسباب لوجستية معروفة في طريقة الخروج من مواسم التصعيد.
هناك أمرٌ آخر، وهو أن التفكير الأميركي الذي يتعامل اليوم، بكل ابتزاز وامتهان للأطراف الخليجية، ويُدير الملف معها بحسب لغتها الساذجة، في التصوير الإعلامي والسياسي لعلاقة الحكم بالبيت الأبيض، كان لديه تصنيف مختلف لعقل فارس التاريخي، وبراغماتيته الذكية، التي لا علاقة لها بطقوس الخرافة الطائفية، التي نشرها الإيرانيون في المجتمعات العربية الحديثة.
وهو تصنيف متغلغل في قراءة الغرب لحضارات الشرق، ما قبل وما بعد الإسلام، ومع الأسف أن كِلا الطرفين الإيراني والعربي اعتمدوا نسخة ما قبل الإسلام، وإن أطلقوا مسميات دينية أو طائفية لتبرير جاهليتهم وشعوبيتهم.
وهنا نفهم الرسائل التي توجهها أبوظبي لإيران عن تموضع جديد يعترف للقوة الفارسية التاريخية، بقدراتها على الضغط على ساحل عُمان القديم، الذي تحوّل للإمارات المتصالحة تحت العلم البريطاني، ثم إلى دولة اتحادية، وظلت علاقتها وبالذات مع دبي، علاقة استراتيجية اقتصادية، بشريان يصعب على دبي التخلي عنه، هذه العلاقة تقوم على ديمغرافية قوية من أبناء الشعب الإيراني في دبي مرتبطين مع البازار الضخم لطهران، فضلاً عن السوق السري بين الإمارة الصغيرة وإيران.
وحين حاولت الكتلة الاقتصادية من أبناء لبنان، في السبعينات وخاصة ذات المرجعية لحزب الكتائب والتي كان لها استثمارات وحراك اقتصادي في أبو ظبي، منافسة الجالية الإيرانية في دبي، لم تستطع ذلك لأسباب عديدة متعلقة بالجغرافيا الاجتماعية والجيوسياسية مع إيران، وهي علاقة فيها ما هو مستوى طبيعي بين أبناء الشرق المسلم، والجوار لعلاقة العرب وفارس في ضفتي الخليج العربي، وفيها ما هو حرب سوق قذرة تخضع لتفويج مصالح إقليمية متعددة، استثمرت في سوق دبي الذي شُرعّت أبوابه بلا انضباط.
ويُنظر الآن إلى أزمات دبي بما فيها الملف الاجتماعي الحسّاس للشيخ محمد بن راشد المكتوم حاكم دبي، بأن تطور التعاطي مع هذا الملف وأزمات دبي، التي يخشى من انفجار ارتدادات هذا السوق عليها، بأنه جزء من تبعات الحرب العالمية التي خاضتها أبوظبي، على الإسلاميين والحريات في الوطن العربي، واعتبرت أبوظبي أن تحالفها مع حملة الغرب ضد إيران قرار استراتيجي، فجاءتها الصفعة من البيت الأبيض نفسه، ومن شخصية ترامب ذاته.
لقد كانت الحسابات الظبيانية تعتقد أن هذا التحالف مع الغرب جاد على الأقل في مساحة منه، لكن الغرب لم يكن يحسب حساباته بعقلية مشروع ولي عهد أبوظبي، وكان يستثمر فيه بقدر ما يحقق معادلته الاستراتيجية في تحجيم العرب، واستنزاف الثروة التي تقول الأدبيات الأميركية القديمة إن الله جل في علاه «قد أخطأ بوضعها في جزيرة العرب».
انتبهت أبوظبي لهذه الورطة وارتداداتها، وبذات تنظيم حساباتها مع الشريك الإيراني التاريخي، وبالطبع التابع المطيع في الرياض، ورغم أن حجم دولته ومكانته أكبر، استمر في ترصيف الطريق لها، وحاول أن يُعطي مؤشرات تُبقي صورة وهمية عن انسجام سياسته مع واشنطن، لتجاوز صفعة ترامب، غير أن الأداء السعودي لا علاقة له بتحول أبوظبي، الذي سيعزز تموضعها الجديد، ويترك تبعات الملفات على الشريك السعودي، أو على الأرض المحلية في اليمن وغيرها، لتنزف دماءها من جديد، بعد أن أصلح جسوره مع الإرث الفارسي القديم.بقلم: مهنا الحبيل