كلنا يعلم أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية تجري كل أربع سنوات، ولكن لا يستطيع أحد أن يتوقع نتائجها هذه المرة، لأنها بين خصمين لهما شعبية متقاربة، الرئيس الحالي جون بايدن الديمقراطي وسلفه الجمهوري دونالد ترامب.

حيث سيتجه الناخبون يوم الخامس من نوفمير القادم، لاختيار الرئيس ونائب الرئيس لمدة أربع سنوات، وقد وجه المنافسان الاتهامات والانتقادات لبعضهما البعض في أول مناظرة جمعتهما والتي اظهرت أن الاثنين يحملان الكره لبعضهما في كثير من القضايا ويتفقان فقط على إسرائيل.

ووجه ترامب ضربات قوية للرئيس الحالي بايدن خلال المناظرة حول الاقتصاد والتضخم، لذا من المتوقع أن تحظى هذه الانتخابات باهتمام واسع النطاق، لكونها ستحدد العديد من المسارات حول ملفات مهمة تتطلب موقفا أميركيا صريحا وواضحا منها حرب غزة والحرب الأوكرانية والتغيرات السياسية التي حدثت وستحدث في أوروبا والمنطقة.

فالمناظرة بين المرشحين الموعودين للحزبين الديمقراطي والجمهوري هي نوع من الديمقراطية الأميركية وتقليد مستمر لأكثر من سبعين سنة أو اكثر، ومهما كان الاختلاف في الآراء بين المترشحين والأصوات العالية، يبقى ما طرح في المناظرة يصدح لسنوات لدى المتابعين الذين لا يسمحون للرئيس بالاستمرار في منصبه لفشله في تحقيق وعوده الانتخابية.

ومع ذلك تحوم التكهنات بأن بايدن يمكن أن ينسحب من الرئاسة قبل موعدها، وايضا يمكن أن يتدخل الحزب الجمهوري لتغيير ترامب بسبب أحكام قضائية، فأمامه حوالي 34 جُنحة، ولكن ما حدث له مؤخرا من إطلاق نار في بنسلفانيا في الحشد الانتخابي لحزبه يمكن أن يغير اللعبة والتكهنات، لأن المناظرة أظهرت ضعف بايدن وتقلبات ترامب، وقد وصفها البعض في الحزب الديمقراطي والجمهوري بـ «الكارثة»!

فمستقبل أميركا، على المحك، في الانتخابات القادمة، فلا بايدن كان مقنعا، ولا ترامب الجريح والذي يمشى على عكاز نتيجة القضايا التي يمكن أن تقضي على تاريخه السياسي قادر على الإقناع والمواجهة.

ولم تكن القضايا العربية مطروحة في المناظرة، فالسياسة الخارجية الأميركية لا تضع أي أولوية لنا، وهي عادة المناظرات الرئاسية، ولا يهمنا من انتصر وتقدم في المناظرة، يهمنا كثيرا أن نتمعن فيها ومخرجاتها، فالرئيس الحالي بايدن لم يقدم شيئا خلال فترة رئاسته الماضية، ولا ترامب سيقدم شيئا، ولكنه مخيف في حال فوزه وعودته للمنصب المفقود الذي خسره بسبب تلاعب في الانتخابات كما يعتقد هو وحزبه الجمهوري!

فهل الشيخوخة وآثارها، تحيل بايدن للتقاعد مبكرا، وهل الأحكام القضائية تبعد ترامب عن الترشح، وهل ما حدث في بريطانيا وسقوط سوناك، وتقدم اليسار في فرنسا وخسارة ماكرون، هي بداية الصحوة والتغيير، فالشباب والتحركات التي تغزو أميركا وأوروبا تضامنا مع اهل فلسطين، بدأت نتائجها تظهر، ومن أطلق النار على ترامب من هولاء الشباب، فمهمة الرئيس الأميركي القادم وحكومته ستكون على المحك، إما تتغير وتسعى للإصلاح وقيادة العالم بتوازن، وإلا سيكون الربيع الأميركي في الطريق لا محالة.

ورغم ذلك، فإننا منتظرون نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر القادم لمعرفة من هو سيد البيت الأبيض الجديد، فالعالم سيكون في وضع صعب إذا بقي جون بايدن، وسيكون في وضع أخطر إذا عاد ترامب سيداً للبيت الأبيض، ولا شك أن طريق ترامب الآن أصبح ممهدا وسيحفز قاعدته الشعبية أكثر بعد أن نجا من محاولة الاغتيال، وكلا المرشحين يصعب التكهنُ بتوجهاتهما السياسية والاقتصادية، وأميركا لا تجرأ حاليا على وضع نفسها موضع المنصف والحكم بعد أحداث غزة، لذا يُوجب على أميركا أن تعيد التفكير في سياساتها مع الدول، وقضايا الشعوب، فالكراهية التي تزرعها سترتد عليها.. والله من وراء القصد.