عملت جامعة قطر على تطوير مشروع بحثي مبتكر يهدف إلى تعزيز استدامة الأمن الغذائي والمائي في المناطق القاحلة.

وقاد الفريق البحثي الدكتور عمار أبو لبدة، أستاذ مشارك في الجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية بكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر.

ويهدف المشروع إلى تحسين النظام البيئي المحلي لتعزيز استدامة المياه وأمن الغذاء في قطر، بالإضافة إلى تقييم نمذجة متكامل للترابط بين النظام البيئي، والمياه، والغذاء.

وتعد استدامة الأمن الغذائي والمائي تحديًا حيويًا يواجه المناطق الجافة وشبه الجافة، التي تغطي 25.8% من مساحة الأرض حيث يعيش أكثر من 400 مليون شخص، ما يجعلهم أكثر عرضة للفقر ونقص التغذية. وتواجه هذه المناطق تحديات كبيرة بسبب ندرة الموارد الطبيعية وانخفاض الإنتاجية الزراعية والنمو السكاني غير المتناسب. وقد كشفت جائحة COVID 19 هشاشة الأمن الغذائي في هذه المناطق، ما يؤكد الحاجة إلى تحسين الإنتاج الزراعي المحلي. لذلك، بدأت معظم الدول العربية في المناطق الجافة في إيلاء اهتمام أكبر لتحسين الإنتاج الزراعي المحلي من خلال استكشاف استراتيجيات جديدة. وهذه التحديات شاقة بسبب محدودية الأراضي الصالحة للزراعة وندرة موارد المياه في معظم البلدان القاحلة وشبه القاحلة، والتي تتفاقم بسبب تغيُّر المناخ العالمي.

ويهدف بحث الدكتور أبو لبدة إلى تعزيز النظام البيئي المحلي في قطر من خلال مكافحة التصحر وتعزيز التنوع البيولوجي بين النباتات المحلية. حيث يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية ضرورية لتحسين الأمن الغذائي واستدامة المياه، حيث يؤثر التصحر بشكل كبير على الرعي الطبيعي وتوافر المياه الخضراء. ويعد إنتاج الأعلاف في دول مجلس التعاون الخليجي- بما في ذلك قطر- ضروريًا باعتباره المصدر الرئيسي لتغذية الماشية. لذلك، يُعد الرعي الطبيعي المُستدام خدمة حيوية للنظام البيئي لإمكانيته من تحسين الأمن الغذائي والمائي عن طريق تقليل استهلاك المياه لزراعة الأعلاف الخضراء، مما يخفف الضغط على إنتاج العلف المكثف ويتيح المزيد من الأراضي الزراعية للمحاصيل الأخرى.

ويدرس المشروع أيضًا فوائد إعادة تخضير المراعي الطبيعية لتحسين استدامة المياه. أظهرت الدراسات السابقة بوضوح أن الميزات الرئيسية للنظم البيئية الجافة هي الأحداث القليلة للهطول، وارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في أحداث هطول الأمطار الموسمية. فإن الري التكميلي ضروري لعملية إعادة الغطاء النباتي الطبيعي في المراعي، مع الأخذ في الاعتبار أن استخدام الري التكميلي لتحسين نمو النباتات المحلية سيظل يقلل من الاستهلاك الإجمالي للمياه لأن النباتات المحلية تتطلب مياهًا أقل بكثير مقارنة بالأعلاف المزروعة، وبالتالي، فمن الأهمية تحديد الأشهر الأمثل لري النباتات المحلية لتحقيق أقصى توفير في المياه.

ويهدف الفريق البحثي إلى تطوير نموذج شامل لتقييم إمكانية تحسين النباتات المحلية المناسبة للرعي، وبالتالي تعزيز استدامة المياه والأمن الغذائي من خلال «الروابط المتبادلة بين المياه والغذاء والنظام البيئي (FWEco)». ولتقديم استراتيجيات مستدامة في قطر، يأخذ هذا النموذج في الاعتبار الترابط بين المياه والمراعي والثروة الحيوانية وإنتاج العلف، ويتضمن تأثيرات التغيرات المناخية. كما يتضمن البحث تجارب ميدانية وتحليل مكاني باستخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافية وتقنيات الاستشعار عن بعد لإنشاء توصيف كمي شامل للنظم البيئية في قطر.

وتمت هيكلة الدراسة على ست مراحل:

المرحلة الأولى: فهم العلاقة بين الغطاء /‏ النمو النباتي والمتغيرات المناخية: ستدمج هذه المرحلة 30 عامًا من البيانات الجوية والاستشعار عن بعد لتحليل نمط الهطول واحتياجات المياه للنباتات الصحراوية في المحميات الطبيعية في قطر باستخدام مؤشر الاختلاف الطبيعي للغطاء النباتي (NDVI).

المرحلة الثانية: احتمالية وفترة العودة لأحداث هطول الأمطار المُثلى: بعد تحديد الظروف المُثلى لهطول الأمطار للنباتات الصحراوية المحلية سيتم تنفيذ نمذجة لتقدير احتمالية الحصول على أحداث الأمطار المثلى لنمو الغطاء النباتي.

المرحلة الثالثة: تحليل التغيرات في مواسم الجفاف خلال الأربعين عامًا الماضية: تصنيف وتحليل شدة الجفاف الشهري من 1983 إلى 2022 باستخدام مؤشر الهطول الموحد (SPI) لفهم تأثيرها على النباتات الصحراوية.

المرحلة الرابعة: تحديد تأثير تغيُّر المناخ على رطوبة التربة ونمو الغطاء النباتي المحلي: تطوير نموذج توازن المياه وإجراء تجارب ميدانية باستخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة رطوبة التربة ونمو النباتات في المحميات الطبيعية في قطر.

المرحلة الخامسة: اختيار الموائل المناسبة في قطر لمجتمعات النباتات المحلية المختلفة: تحديد الموائل المناسبة للنباتات المعمرة المحلية من خلال دمج الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية وتحليل المناخ ونوع التربة والارتفاع.

المرحلة السادسة: تطوير نهج شامل للترابط بين الغذاء والماء والنظام البيئيFWEco: وتهدف هذه المرحلة إلى تقديم ممارسات وأولويات مستدامة لمستقبل دولة قطر.

ستوفر النتائج المستخلصة من هذه المراحل توصيفًا بيئيًا واضحًا للأنظمة البيئية الطبيعية في قطر، مما يمكن الفريق من استخدام هذه البيانات لتطوير سيناريوهات لمواقع الرعي المثلى لتحسين استدامة المياه والأمن الغذائي من خلال استخدام 10 % و20 % و30 % من أراضي قطر كمراعٍ طبيعية خاضعة للرقابة. كما يهدف البحث إلى الإجابة عن أسئلة أساسية حول جدوى استبدال إنتاج العلف بالرعي الطبيعي واستدامة استخدام الري التكميلي للنباتات المحلية في قطر.