دعا الخبير البيئي الدكتور محمد بن سيف الكواري إلى تلطيف درجات الحرارة المرتفعة بـ «التشجير» سواء في الأحياء أو الشوارع الرئيسية أو الحدائق والمتنزهات، لما له من أهمية بيئية وصحية واقتصادية كبيرة، فالأشجار الكبيرة تقلل الأثر الضار للملوثات، وهي توفر الملاذ والغذاء لكثير من الكائنات الحية، كما أنها تخفف من حدة الرياح الساخنة المحملة بالأتربة وتخفض درجة الحرارة بمعدل يصل إلى «5» درجات مئويّة.

وأشار د. الكواري في حوار خاص لـ «الوطن » إلى أهمية اختيار نوعية النباتات المراد بها عملية التشجير والاخضرار، منوها بأنه يجب أن يكون هناك اختيار لنوعيات نباتية أو نباتات تقاوم درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه والجفاف، على سبيل المثال في دولة قطر نحن نتحدث عن الأشجار البرية مثل الغاف والعوسج والسدر البري والبمبر والكنار، هذه كلها أشجار برية، بالإضافة إلى أشجار المانجروف وهي من الأشجار دائمة الخضرة صيفا وشتاء، وكذلك أيضا تقاوم الجفاف والحرارة ولا تحتاج إلى مياه، فهي تقوم بأخذ حاجتها من الماء بواسطة البحار، وبالتالي تعد من أفضل النباتات للمناطق الحارة والرطبة، وغيرها من التفاصيل والتساؤلات التي سنطالع الإجابة عنها في سياق الحوار التالي:

{ بداية، كيف نستجيب للتغيرات المناخية؟

العالم اليوم يعتمد على نظامين في الاستجابة للتغيرات المناخية، النظام الأول هو التخفيف، والنظام الثاني هو التكيف، التخفيف معناه أننا نقوم بعمل برامج للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تُسهم كثيرا في الاحترار العالمي وتغيُّر المناخ، مثل ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروس وغاز الميثان، وذلك عن طريق القيام بعملية التشجير باعتبارها واحدة من برامج التخفيف، وأيضا استخدام الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية، والنقل المستدام الأخضر، والاقتصاد الأخضر، جميع هذه البرامج تندرج تحت برنامج التخفيف، أما بالنسبة لبرنامج التكيف فإنه يعتمد على عملية التكيف مع الكوارث البيئية، حيث وجد العلماء بعد دراسات مستفيضة وأبحاث عملية متقدمة أن التشجير هو البرنامج الأول الناجح والناجع بالفعل في التكيف مع الأزمات المناخية، لذلك هناك دور كبير يقع على عاتق المواطنين في خفض درجات الحرارة عبر زراعة الأشجار أمام المنازل وداخل البيوت، والتي تؤثر بشكل كبير إذا عممت التجربة على كافة المنازل، حيث تستعمل الأشجار كحواجز طبيعية بين المنازل أو الشوارع داخل المدن والقرى بدلا من استخدام الحواجز الأسمنتية.

{ هل يمكن أن يساعدنا التشجير الحضري على التكيف مع الحرّ؟

نعم بلا شك، لأن التشجير وسيلة مهمة للغاية في التقاط ثاني أكسيد الكربون من الأجواء ونشر الأكسجين بدلا عنه، وبالتالي كلما ازدادت المساحات الخضراء في المنطقة المعنية تساهم في تلطيف درجات الحرارة، من خلال الشجرة التي تجتمع فيها العديد من الفوائد، بجانب امتصاص ثاني أكسيد الكربون ونشر الأكسجين أيضا تلطف درجات الحرارة، وقد ثبت بالأدلة العلمية إننا إذا أتينا بميزان حرارة في منطقة مشجرة أو شارع به عدد كثيف من الأشجار، وقمنا بقياس درجة الحرارة وقورنت بنسبة الحرارة في مكان خالي من الأشجار، سنجد أن هنالك فرقا كبيرا في درجة الحرارة بين المكان الذي فيه أشجار والمكان الصحراوي الذي يخلو من الخضرة، كما أن للتشجير داخل المدن سواء في الأحياء أو الشوارع الرئيسية أو الحدائق والمتنزهات أهمية بيئية وصحية واقتصادية كبيرة، فالأشجار الكبيرة تقلل الأثر الضار للملوّثات، وهي توفر الملاذ والغذاء لكثير من الكائنات الحية وتخفف حدّة الرياح الساخنة المحمّلة بالأتربة وتخفض درجة الحرارة بمعدّل يصل إلى «5» درجات مئويّة.

نوعية النباتات

{ ما أهمية اختيار نوعية النباتات المراد بها عملية التشجير والاخضرار؟

في بداية الأمر علينا أن نتحقق من المنطقة المُراد تشجيرها، هل هي منطقة باردة أم استوائية أم حارة، فإذا تحدثنا اليوم عن المناطق الحارة في العالم مثل منطقة الخليج والشرق الأوسط هذه تعتبر اليوم هي المناطق الحارة، لذلك يجب أن يكون هناك اختيار لنوعيات نباتية أو نباتات تقاوم درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه والجفاف، على سبيل المثال في دولة قطر نحن نتحدث عن الأشجار البرية مثل الغاف والعوسج والسدر البري والبمبر والكنار، هذه كلها أشجار برية، بالإضافة إلى أشجار المانجروف وهي من الأشجار دائمة الخضرة صيفا وشتاء، وكذلك أيضا تقاوم الجفاف والحرارة ولا تحتاج إلى مياه، فهي تقوم بأخذ حاجتها من الماء بواسطة البحار، وبالتالي تعد من أفضل النباتات للمناطق الحارة والرطبة.

{ ما هو تقييمكم لجهود وزارة البلدية في التشجير وإنشاء الحدائق العامة والمساحات الخضراء؟

لا يخفى على أحد اهتمام دولة قطر ممثلة بوزارة البلدية بإنشاء وتطوير الحدائق والمتنزهات العامة وزراعة الأشجار وزيادة المساحات الخضراء بمختلف مناطق الدولة كمتنفس صحي وترفيهي للمواطنين والمقيمين والزائرين، بهدف تحقيق أهداف التنمية البيئية المستدامة، انطلاقا من استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024 -2030) وصولا إلى رؤية قطر الوطنية 2030، كما حرصت وزارة البلدية خلال السنوات الماضية على إطلاق عدد من المبادرات الوطنية لزيادة المساحات الخضراء في دولة قطر من أهمها: (مبادرة مليون شجرة - ومبادرة عشرة ملايين شجرة) والتي تهدف للارتقاء بجودة الحياة في المدن وتحقيق التنمية المستدامة، مما ساهم في حصول جميع المدن القطرية الـ «8» على لقب مدينة صحية من منظمة الصحة العالمية، وكذلك انضمام «7» مدن قطرية لشبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلم.

الانبعاث الكربوني

{كيف يمكن أن يساهم التشجير في التقليل من الانبعاث الكربوني وزيادة نسبة الأكسجين في الهواء؟

تركّز وزارة البلدية على زراعة أشجار الظل داخل الحدائق بهدف التقليل من الانبعاث الكربوني، وزيادة نسبة الأكسجين في الهواء، كما تركّز أيضا على وجود تنوع في الأشجار التي يتم زراعتها، حيث ساهمت الحدائق العامة التي تم افتتاحها مؤخرا بصورة مباشرة في تغيير نمط حياة الكثيرين من سكان المناطق المحيطة بها، حيث شجعهم الموقع الذي تم تهيئته للرياضيين على الالتزام بممارسة الرياضة بشكل يومي، لا سيما أنها مفتوحة أمام الزوار والسياح من الصباح الباكر وحتى أوقات الليل المتأخرة، الأمر الذي يتيح للسكان من المواطنين والمقيمين والزوار اختيار الوقت المناسب لممارسة الرياضة، بصورة تساهم في تعزيز صحة أفراد المجتمع، في ظل الفوائد الجمَّة للرياضة التي تكسب الأفراد المناعة من الأمراض المختلفة، والمساعدة على التشافي من عدة أمراض مزمنة، مثل السكري والضغط وغيرهما من الأمراض.

{ إلى أي مدى تمتلك الحدائق العامة المقومات التي تؤهلها لتكون نقطة جذب للزوار والسياح؟

بلا شك أنها تمتلك المقومات التي تؤهلها لتكون نقطة جذب للزوار والسياح، بعد التطورات وتحسين الخدمات التي شهدتها العديد من الحدائق العامة، وزيادة أعدادها في مختلف أنحاء الدولة، مع توافر متطلبات العائلة والأفراد، ما جعلها ملاذا آمنا يرتادها الكبار والصغار لممارسة الرياضة والنشاطات المختلفة، حيث وصل عدد الحدائق والمتنزهات بحسب آخر الإحصائيات الصادرة من وزارة البلدية إلى حوالي «144» حديقة وبلازا وكورنيش، أما بالنسبة للمساحات الخضراء بالدولة فقد بلغت نسبتها حتى العام الماضي (43 كم 2)، وذلك بالتعاون مع كافة الجهات بالدولة، وعلى رأسها قطاع شؤون الخدمات العامة بوزارة البلدية الذي يولي اهتماما كبيرا لإنشاء الحدائق العامة الجديدة، وإعادة تأهيل القديم والمتهالك منها لتبقى بالمستوى المطلوب، حيث تسعى وزارة البلدية للمحافظة عليه والارتقاء به لمطابقة المعايير الدولية، فضلا عن وضع خطة استراتيجية بالتنسيق مع الجهات المختصة في الوزارة تساهم في زيادة المساحات الخضراء وأعداد الحدائق بالدولة موزعة على جميع البلديات خلال السنوات القادمة، وستتابع إدارة الحدائق العامة التابعة للقطاع هذه المشاريع في مختلف مراحلها من دراسة تصاميم أولية وإجراءات الطرح والترسية والتنفيذ وغيرها، حتى ترى هذه الحدائق النور.

التغير المناخي

{ ما هو دور قطر تجاه التغير المناخي على المستويين المحلي والدولي؟

تغطي استراتيجية قطر الوطنية للبيئة والتغير المناخي «5» مجالات هي انبعاثات الغازات الدفيئة، وجودة الهواء، والتنوع البيولوجي، والمياه والاقتصاد الدائري، وإدارة النفايات واستخدام الأراضي، مع وضع نظام حوكمة لتنفيذ الاستراتيجية، للوصول للأهداف المحددة بحلول عام 2030، ومن ذلك خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25 بالمائة، وإنشاء «30» محطة لرصد جودة الهواء بحلول عام 2023، وزيادة عدد المحميات فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي، وتتميز الاستراتيجية بكونها متكاملة من حيث استخدام الأراضي، وهي تهدف إلى تحسين الإنتاجية الزراعية والاستدامة بما يتماشى من استراتيجية قطر للأمن الغذائي، في حين أن استخدام الأراضي بكفاءة أكبر سيرتقي بجودة الحياة في قطر من خلال تأمين وسائل مواصلات عامة ومساحات خضراء، أما على المستوى الدولي يتضح اهتمام دولة قطر بقضية البيئة والتغير المناخي في تعيين مبعوث خاص لوزير الخارجية لشئون التغير المناخي والاستدامة، وفي تضمين قطر قضية البيئة والتغير المناخي في رؤيتها الوطنية 2030، التي تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وطموح الدولة لبلوغ مركز قيادي في المنطقة من خلال تنفيذ العديد من المشاريع والمبـــادرات التي تساهم في الجهود المبذولة، لخفض الملوثات الهوائية وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وزيادة الاعتماد عـــــلى مصـــــادر الطاقـــة المتجددة.