توفي الأسبوع الماضي رئيس الجمهورية التونسية «الباجي قايد السبسي» عن عمر جاوز تسعين عاما وهو أول رئيس تونسي يتوفاه الأجل وهو في الخدمة. كان رحيل الرئيس التونسي منتظرا خاصة بعد الوعكة الصحية التي ألمت به أسابيع قبل وفاته وأثارت جدلا واسعا داخل تونس وخارجها. لكن ما لم يكن منتظرا لدوائر عربية وغربية وحتى تونسية محلية هي السلاسة الكبيرة التي مرت بها عملية تسليم السلطة في مرحلة انتقالية حرجة وعلى مقربة من موعد انتخابي حاسم.
ساعات قليلة كانت فاصلة بين إعلان رئاسة الجمهورية عن وفاة الرئيس وتولي رئيس مجلس النواب السيد «محمد الناصر» منصب الرئاسة عوضا عنه كما ينص على ذلك دستور البلاد. كما عاد منصب رئاسة مجلس نواب الشعب إلى نائب الرئيس بنص الدستور وحسب القوانين المعمول بها.
أما على المستوى الشعبي فقد هيمنت على البلاد حالة من الحزن عند أنصار الرجل وبين خصومه وهي الظاهرة التي فاجأت الجميع لأسباب كثيرة قد لا يعلمها إلا التونسيون أنفسهم لما لها من خصوصية محلية. صحيح أن الرجل كان جزءا من النظام القديم وصحيح أيضا أنه عمل مع كلا النظامين الاستبداديين أي نظام بن علي ونظام بورقيبة، وصحيح أيضا أن له تصريحات صادمة أحيانا حول مرجعية الدولة وعلاقتها بالدين وكذلك قضية الميراث والمساواة بين الجنسين وغيرها من الملفات الحارقة والحساسة عربيا ومحليا ودوليا كذلك.
كل هذا صحيح وغيره كثير أيضا لكن كل قراءة موضوعية لمسيرة الرجل لا يمكن أن تنصفه إن هي اقتصرت على هذه المعطيات دون غيرها. نقول ذلك لأن حملة مضادة في داخل تونس وحتى خارجها كانت تشمت في وفاة الرجل ووصل بها الأمر إلى تكفيره وتكفير من يترحم عليه.
لم يكن رئيس تونس رجلا انقلابيا، ورفض أكثر من مرة، وأمام إغراءات ضخمة، الانقلاب على مسار التوافق الذي قاده مع خصومه من الإسلاميين، وهو الخيار الذي ضمن لتونس مسارا انتقاليا هادئا رغم كل الهزات والاضطرابات. حافظ الرجل على وحدة الصف أمام غلاة الاستئصاليين من حزبه «نداء تونس» واحترم الدستور وخسر قضايا رفعها ضده مدنيون بسطاء لكنه لم يستعمل نفوذه وسلطته ليبطش بهم. كل هاته المعطيات وغيرها تجعل من التجربة التونسية تجربة استثنائية تتجه في مسارها الصحيح نحو إرساء أول تجربة عربية ديمقراطية ستفتح الطريق حتما لتجارب أخرى. وهي كذلك التجربة التي لم تسقط في أتون الانقلابات والاقتتال والفوضى رغم كل التجاوزات ورغم مؤامرات محور الانقلابات العربية الذي حوّل دولا عربية أخرى إلى ساحات حرب لا تتوقف.بقلم: محمد هنيد
ساعات قليلة كانت فاصلة بين إعلان رئاسة الجمهورية عن وفاة الرئيس وتولي رئيس مجلس النواب السيد «محمد الناصر» منصب الرئاسة عوضا عنه كما ينص على ذلك دستور البلاد. كما عاد منصب رئاسة مجلس نواب الشعب إلى نائب الرئيس بنص الدستور وحسب القوانين المعمول بها.
أما على المستوى الشعبي فقد هيمنت على البلاد حالة من الحزن عند أنصار الرجل وبين خصومه وهي الظاهرة التي فاجأت الجميع لأسباب كثيرة قد لا يعلمها إلا التونسيون أنفسهم لما لها من خصوصية محلية. صحيح أن الرجل كان جزءا من النظام القديم وصحيح أيضا أنه عمل مع كلا النظامين الاستبداديين أي نظام بن علي ونظام بورقيبة، وصحيح أيضا أن له تصريحات صادمة أحيانا حول مرجعية الدولة وعلاقتها بالدين وكذلك قضية الميراث والمساواة بين الجنسين وغيرها من الملفات الحارقة والحساسة عربيا ومحليا ودوليا كذلك.
كل هذا صحيح وغيره كثير أيضا لكن كل قراءة موضوعية لمسيرة الرجل لا يمكن أن تنصفه إن هي اقتصرت على هذه المعطيات دون غيرها. نقول ذلك لأن حملة مضادة في داخل تونس وحتى خارجها كانت تشمت في وفاة الرجل ووصل بها الأمر إلى تكفيره وتكفير من يترحم عليه.
لم يكن رئيس تونس رجلا انقلابيا، ورفض أكثر من مرة، وأمام إغراءات ضخمة، الانقلاب على مسار التوافق الذي قاده مع خصومه من الإسلاميين، وهو الخيار الذي ضمن لتونس مسارا انتقاليا هادئا رغم كل الهزات والاضطرابات. حافظ الرجل على وحدة الصف أمام غلاة الاستئصاليين من حزبه «نداء تونس» واحترم الدستور وخسر قضايا رفعها ضده مدنيون بسطاء لكنه لم يستعمل نفوذه وسلطته ليبطش بهم. كل هاته المعطيات وغيرها تجعل من التجربة التونسية تجربة استثنائية تتجه في مسارها الصحيح نحو إرساء أول تجربة عربية ديمقراطية ستفتح الطريق حتما لتجارب أخرى. وهي كذلك التجربة التي لم تسقط في أتون الانقلابات والاقتتال والفوضى رغم كل التجاوزات ورغم مؤامرات محور الانقلابات العربية الذي حوّل دولا عربية أخرى إلى ساحات حرب لا تتوقف.بقلم: محمد هنيد