+ A
A -
اندريه قصاص كاتب لبناني

الذين اضطّروا إلى الهجرة القسرية عن لبنان ويعيشون رغما عنهم خارج حدود الوطن لا يقّلون وطنية عن إخوانهم، الذين يعيشون ضمن جغرافية الـ 10452 كيلومترا مربعا.

لي صديق يعيش في لبنان، وهو بمثابة أخ لي، وقد أفنى عمره سعيا وراء لقمة عيش شريفة، وأدّخر ما سعت إليه يداه من تحويشة هذا العمر في أحد المصارف عملا بمقولة «خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود»، فطار «الأبيض» ولم يبق له سوى سواد الليالي و«المرمطة» و«الشحشطة».

أصيب مؤخرا بأزمة قلبية فلجأ إلى طبيب أشار عليه بضرورة إجرائه قسطلة لشرايين قلبه التعبة. ولولا المحبين، وهم كثر، لما استطاع أن يجري هذه العملية، التي استلزمت إدخال «راسور» لتوسعة الشريان الرئيسي للقلب. وقد استطاع تأمين المبلغ من أصدقاء ومحبي خير كثر، ولله الحمد.

ولكن، وبعد ثلاثة أشهر من إجرائه عملية القسطلة قصد الطبيب للمراجعة فتبين له بعد الفحص أن شريانين رئيسيين يصلان القلب بالرأس «مسطمين»، وعليه إجراء عملية مستعجلة لاستبدالهما وإلا فإنه مهدّد في كل لحظة بـ «جلطة دماغية».، وهذه العملية لا يمكن إجراؤها إلا على مرحلتين، وكلفة كل عملية ستة الآف دولار أميركي نقدًّا وعدًّا، أي ما مجموعه اثنا عشر ألف دولار، وهو لا يملك من هذا المبلغ إلا ما ندر. وبالطبع لم يلجأ إلى أصدقائه لأنه يعرف مسبقا أن ليس في مقدورهم تأمين هذا المبلغ. لجأ إلى الضمان الصحي فتبيّن له أن التغطية لا تشمل سوى ما تعترف به إدارة الضمان، أي أن تسعيرة الدولار لا تزال ثمانية الآف ليرة لكل دولار، أي من «الجمل دينتو».

هذه هي حال صديقي المتروك لقدره، وهذه هي حال كثيرين من اللبنانيين الذين يعيشون في بلد الصدفة، وفي بلد كل مريض فيه مشروع مقبرة.

وتسألوني بعد كل هذا لماذا لا أعود إلى وطن جعلوه مزرعة.

copy short url   نسخ
22/07/2024
5