+ A
A -
جمال غصن كاتب لبناني

اجتاحت «شاشة الموت الزرقاء» الحواسيب التي حمّلت أحدث تحديث لبرنامج «ويندوز» من شركة «ميكروسوفت» حول العالم، ما خلق حالة من الهلع في قطاعات عدّة من الاقتصاد المعولم.

الشاشة الزرقاء هذه لا ينفع معها إطفاء الجهاز وإعادة تشغيله، ولا إزالة البطاريات وإعادة وضعها في مكانها. الشاشة مايكروسوفت الزرقاء تعني أنّ الوضع ميؤوس منه. فعلياً كان بالإمكان نهار الجمعة تحديد من في العالم يدفع مستحقاته لشركة «ميكروسوفت» ومن يستحصل على برامجها على شكل قرص مدمج مقرصن من سوق البرغوث. الأوّل عانى بينما الثاني «نفذ بريشه».

لم يكن هجوماً سيبرانياً هذه المرّة، لكنه كان تمريناً عما يمكن أن يحصل لو حدث هجوم سيبراني واسع النطاق، وحتماً كما ثبت على مدى التاريخ، فإن الأجهزة التي تعمل على المنتجات المشغّلة لشركة «ميكروسوفت» هي الأكثر عرضة لهكذا هجوم، ولأن ينتهي بها الأمر بشاشة زرقاء ميتة.

هشاشة التكنولوجيا هذه ظهرت في فترة يكثر فيها الحديث عن صعود ظاهرة الذكاء الاصطناعي في ظل موجة من الغباء العام المستشري، كما يُرَوَّج. في الواقع الغباء العام قلّ عبر الزمن، والعلم والمعرفة باتا متاحيْن أكثر من أي وقت مضى. المعضلة اليوم هي ماذا نفعل بفائضِ العلم والمعرفة؟ منذ ثلاثين عاماً أحدثت شاشة ميكروسوفت الزرقاء نقلة نوعية في سوق الحواسيب من البرنامج التشغيلي الذي كان يعتمد الشيفرة المكتوبة إلى ذاك الذي يعتمد الفارة والنقر على الصور والأيقونات. في وقتٍ لاحقٍ ظهر «الموقع الأزرق» وأحدث نقلة نوعية في التواصل الاجتماعي. لكن كما سبقوا من قبلهم في الإبداع، هناك في الجيل القادم من يسبق بإبداعه عبر الشاشات بيل غايتس، صاحب شاشة الموت الزرقاء، ومارك زكربرغ، صاحب الموقع الأزرق الذي يقارب الموت، في الجيل القادم من الإبداع عبر الشاشات. لن ندخل اليوم في نقاش إدمان البشرية للشاشات، لكن لا بد من مناقشة ما تنتجه الشاشات.

في الولايات المتحدة الأميركية أنتجت الشاشات دونالد ترامب وجعلته رئيساً. منذ أيّام أعلن ترامب أن نائبه في الولاية القادمة سيكون جاي دي فانس. جاي دي فانس ظهر على الساحة السياسية بعدما حوّلت هوليوود، بشخص رون هوارد، شيفرته المكتوبة على ورق إلى فيلم يجسّد الحلم الأميركي. فتى من جبال أبالاشيا يصل إلى إحدى كبرى جامعات أميركا ويدخل الكونغرس وقريباً البيت الأبيض. كتاب فانس يمجّد النجاح الفردي ويعيب على بني أبيض في أميركا كسلهم الذي جعلهم يخسرون تفوّقهم العالمي. لا يتطرق الكتاب ولا الفيلم إلى فرضية أن يكون فانس داكن البشرة وفرصه حينذاك في تحقيق الحلم الأميركي.الأخبار اللبنانية

copy short url   نسخ
24/07/2024
15