+ A
A -

شيء غريب أن تسمع أو نقرأ من البعض إن سلطنة عمان بها أصوات متطرفة تبث السموم والفتن والخطاب المتشدد للخارج، شيء عجيب أن يظهر في منطقتنا مثل هذه الأصوات التي لا تفرق بين المواقف الإنسانية والإسلامية التي تربينا عليها وبين المواقف الضالة، فما حدث في «الوادي الكبير» بمسقط ليس له أي صلة بما يتحدث عنه بعض المغرضين..!

ففي الوقت الذي كشفت فيه «داعش» عن تبينها للهجوم، يخرج لنا البعض ويقذف ويتهم سماحة المفتى العام لسلطنة عمان وسياسة البلد التي تتمتع بقدر أكبر من الحرية الدينية والوئام مقارنة بالدول الأخرى، بانها السبب لما وصلت إليه.

فقد ابتلينا في سلطنة عمان والخليج بشكل عام بتدخل الأبواق الخارجية التي ترغب في زعزعة

النسيج الوطني، وتشويه سمعتنا خارجيا وداخليا، فنقول للأبواق المأجورة ستبقى منطقتنا ساحة الإمن والأمان للمواطنين والمقيمين والمستثمرين والزوار، وستبقى عمان بلد الاعتدال والوسطية حيث لا غلو ولا تطرف ولا مذهبية، ولا تكفير، بلد ينبذ النباتات السامة والضارة والضالة.

وما حدث لن يغير شيئا من واقع الأمر، لأننا نعرف تاريخ هذا التنظيم الداعشي وفكره الضال وأكاذيبه، فالنسيج الوطني واحد من الجنوب إلى الشمال، فلن تغيرنا هذه الحادثة رغم مرارتها وتوقيتها، بل زادتنا قوة ومعرفة لتعديل وتقييم بعض الأمور الجدلية والمسائل التي يجب الوقوف عندها لاحقا.

كل من يعرف سلطنة عُمان ومواقفها وسياستها وصراحتها يدرك أن تلك كذبة كبرى، لجر هذا البلد لمهاترات إعلامية وسياسية، فليست عُمان من تزرع الفتن وتلعب في الخفاء مع الآخرين، وليست من عاداتنا على مر التاريخ أن نقف وراء نشوب حرب أو إدامة صراعات، ولن يهز عمان بيان داعش أو اقاويل المغردين والتصريحات والحملات المغرضة، وهذه الأدوات رخيصة الثمن لن تفلح في إبعادها عن القيام بدورها السلمي والإيجابي في المنطقة والعالم.

لقد ارادوا لها أن تغير سياستها ومواقفها، وارادوا لها أن تغير فكرها وتسامحها وارادوا جرها لحروب وفتنة داخلية، وارادوا لها الكثير والكثير، ومع ذلك ظلت متمسكة بمواقفها وتسامحها وسياستها المعتدلة، ووساطتها في الكثير من الأزمات والقضايا، لذا لم نتفاجأ بالحادثة، والتي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة آخرين، فالهدف كان واضحا ومخططا له لضرب استقرار هذا البلد، وإثارة الفتنة المذهبية وغيرها، ولكن لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فعمان اكبر من ذلك، وما حدث إنما هو امتطاء للجهل، والحقيقة أن هذه الحادثة علمتنا درسا نحتاجه اليوم قبل الغد.

ومن دون شك هذا العمل دخيل على شعب سلطنة عمان، ومن فكر ضال متطرف جاء من الخارج، ولكننا حزينون لأن البعض والقلة في دولنا العربية وصل إليهم الفكر والايدولوجيا المتطرفة، من منظمات لا يرغبون في استقرار دولنا وتطورها، وارادت أن يكون لها دور في الداخل، وهذه المنظمات الاستخبارية لا تستطيع أن تكسر هيبة واستقرار وامن بلداننا، وسنبقى مع السلام والدعوة للاستقرار وتطبيق العدالة والإنظمة والقوانين الدولية ليعم السلام والرخاء كافة الدول والشعوب.

وهكذا هي عمان ودول المنطقة منذ نشأتها مع ابنائها من كل المذاهب، تحترم المذاهب وتتيح المجال لإقامة الشعائر في المناسبات، مع أن هناك ممارسات غير مقبولة واختلالات تحتاج لوقفات ومراجعات لها.، فما حدث في عمان حدث في بعض الدول ايضا وتم القبض عن شبكات إرهابية ومنظمات تمّ إحباطها وكانت تستهدف أماكن دينية وغيرها، فالمساحة لا تكفي لاستعراضها، وهذا يعني أن الخطر لم يختفِ من المنطقة، بل ما زال قائما.!

صحيح أن تفاصيل الظاهرة تختلف من بلد لآخر، فسلطنة عُمان وطن يرفض الفكر الضال ويرفض الفتن بشدة ويحارب رياح التطرف من أي مكان تأتي منه، وما تم تضخيمه وتهويله هو محض افتراء، فوق كونها حادثة يمكن أن تحدث في أي مكان في محيطنا الإقليمي أو حتى على مستوى العالم.

ولكن يحزننا أن ـ البعض ـ نسب الحادثة لأسباب داخلية، ألا يكفي أن منظمة إرهابية تبنت العملية علنا بالصوت والصورة، ألا يكفي أن المتوفين اعترفوا قبل العملية بعملهم، والكل يعرف «داعش» من أسسها ومن يمولها ومن درب جنودها، فطالما هناك أقلام متطرفة وضالة عن طريق الحق، فمنطقتنا بأكملها مهددة بالخطر.

التعامل الأمني في سلطنة عمان مع الحادثة كان رائعا، بإشادة العديد من الدول التي عبرت عن تضامنها مع حادثة الهجوم وبالإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة في عمان، وسرعتها وكفاءتها في التعامل مع الحادثة ورفضها لكل أعمال العنف، كما أكدت استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، وهي رسالة تضامن لمواجهة مثل هذه التنظيمات الضالة.

لذا يتطلب منا جميعا الإعداد لمواجهتها من خلال عدة عوامل ضرورية في المرحلة القادمة، والتأكيد على التماسك المجتمعي أمام النعرات الطائفية والمذهبية أصبح مطلبا علينا زرعه في أبنائنا، وتحصينهم ضد كل التحولات التي يشهدها العالم من فكر ضال وثقافات غربية هدامة، وهذا لا يعني أن نتجاوز الحادثة، بل علينا معرفة أسبابها الحقيقية ودوافعها، تبقى حصوننا مدرعة وحصينة لهذا الوطن في مواجهة داعش وغيرها.

وأخيرًا.. ندعو العلي القدير أن يحفظ الله بلداننا من كل سوء، والتمسك بالوحدة الوطنية خط أحمر، لا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال، وما حدث في عمان يمكن أن يحدث في أي بلد خليجي آخر إذا لم نقيّم أهداف وخطر داعش على المنطقة.. والله من وراء القصد[email protected]

copy short url   نسخ
24/07/2024
380