إذا كانت هناك مقولة قد أسقطتها حرب الإبادة على غزة فهي مقولة الديمقراطية الغربية. لقد أسندت «الديمقراطيات الغربية» وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية مذبحة غزة وأمدتها بالسلاح والقنابل والجنود والمرتزقة، وكل ما تحتاج إليه، بما في ذلك الغطاء الإعلامي، بل إن هذه الديمقراطيات هي التي تصف دولة الاحتلال وتصنفها زورا بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، رغم كل الجرائم التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها في حق الأطفال والنساء والمدنيين.

كيف يمكن لدول تدعي الديمقراطية وما يصاحبها من اعتراف بحقوق الإنسان أن تشارك بقوة في جرائم ضد الإنسان وضد الإنسانية ؟ كيف يمكن للغرب أن يُقنع اليوم بقيمه ومنوالاته الثقافية ؟ من يمكنه أن يصدّق بعد اليوم أكذوبة الديمقراطية ؟ حتى حرية التعبير صودرت عندما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

المشكل أنها ليست المرة الأولى التي يستفق فيها الشرق على أكذوبة الحرية والديمقراطية، فقد قدمت الولايات المتحدة للعرب والمسلمين درسا عظيما فيهما خلال غزو العراق الذي تسبب في قتل أكثر من مليون عراقي بحجة نشر الديمقراطية، لقد كان سجن أبو غريب والفظائع التي ارتكبت فيه أعظم دروس الديمقراطية الغربية.

لا يعني هذا القول أن الدول الغربية ليست دولا ديمقراطية، فهي كذلك لكنها ألد أعداء الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالخارج ودول العالم الثالث، وتحديدا الدول العربية والمسلمة. الديمقراطية الغربية إجراءٌ حصري يقتصر على حدود الدول الغربية ويُمنع تصديره إلى بقية دول العالم.

إن التصريحات الأميركية والأوروبية التي تحذر من هزيمة الكيان المحتل تفضح بجلاء وظيفة هذا السرطان داخل الجسد العربي. فالهزيمة تعني سقوط الكيان، وهو ما حذر منه أكثر من مسؤول أوروبي، بما يفضح أن هذا الكيان ليس إلا قاعدة عسكرية متقدمة للديمقراطية الغربية. هذه الديمقراطية التي تتحول خارج حدودها إلى مشروع استعماري استيطاني يعيش على نهب ثروات الشعوب وتخريب أوطانها.

بناء على ما تقدم فإن الإيمان اليقيني الذي تتبناه النخب العربية في الحديث عن الديمقراطية الغربية وتبني مقولاتها خاصة عند التيارات اللبرالية، لم يعد قادرا على الإقناع. وهو الأمر الذي يفرض على القوى الفكرية المشاركة في صياغة الوعي الجمعي التنبيه إلى ضرورة التأسيس على أنقاض الخراب الذي انكشفت عنه الممارسات الديمقراطية الغربية.

لن يكون الخروج من دائرة التخلف والهزيمة ممكنا، دون صياغة مشروع حضاري ينبع من الداخل فيفكك منظومات الفساد والاستبداد التي ستنسف في وقت قياسي كل مشاريع الاحتلال والهيمنة والإبادة.