أعلنت كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر عن نتائج دراسة متميزة تركزت على بناء مقياس يقيس القِيم العربية ضمن البيئة القطرية والتحقق من صحته وموثوقيته، فقد قامت مها حسين القحطاني، بكالوريوس في علم النفس مع تخصص فرعي في علم الاجتماع، بإجراء هذه الدراسة تحت إشراف د. يوسف حسن، أستاذ باحث مشارك في علم النفس، مما يمثل تقدمًا كبيرًا في فهم النظم القيمية التي تشكل سلوك الأفراد والمجتمعات في قطر.

تلعب القيم دورًا حيويًا في بقاء وعمل أي مجتمع من خلال تحديد أنماط التفاعل بين أفراده وتوجيه سلوكياتهم، وتعزيز التماسك الاجتماعي استنادًا إلى ركائز رئيسية هي: الثقافة، الدين، العادات والتقاليد، حيث يُعرِّفها شوارتز Schwartz (1992) بأنها أهداف انتقالية متفاوتة في الأهمية، تعمل كمبادئ توجيهية في حياة الفرد أو المجموعة. وتتماشى هذه الدراسة مع رؤية قطر الوطنية 2030 التي تشدد على أهمية الحفاظ على العادات والتقاليد والقيم الأخلاقية والدينية. وتهدف الدراسة إلى سد فجوة من خلال تطوير مقياس موثوق وصالح لقياس القيم باللغة العربية، وهو احتياج لم يتم تلبيته حتى الآن.

اعتمدت الدراسة على نظرية القيم الأساسية لشوارتز التي تحدد عشر قيم مشتركة توجه سلوكنا وفقًا للدافع الفعلي وراء كل منها وتشرح مصادرها. فقد رتب شوارتز القيم العشر في نموذج دائري يوضح القيم المتوافقة والمتعارضة على أربعة أبعاد. وقامت الباحثة القحطاني بتكييف وتوسيع هذه النظرية لتتناسب مع ثقافة المجتمع القطري؛ مما أظهر قيمًا ثقافية محددة تتوافق مع السكان المحليين.

استندت الدراسة إلى ثلاثة مقاييس محورية تم تطويرها في سياقات ثقافية مختلفة. يركز مقياس القيم الآسيوية (كيم وآخرون، 1999) على الامتثال للمعايير، التعرف على الأُسرة، التحكم العاطفي الذاتي، الجماعية، التواضع، وطاعة الوالدين. ويركز مقياس القيم اللاتينية (كيم وآخرون، 2009) على الفخر الثقافي، التعاطف، الأُسرة، والروحانية. بينما يميز مقياس القيم الأميركية (ياو وآخرون، 2017) بين الكرامة، حفظ ماء الوجه، والشرف، مما يعزز معاييرهم الثقافية.

تشكلت هيكلية البحث من مرحلتين محوريتين. في الدراسة التمهيدية، تم توزيع استبيان التمثلات الاجتماعية على 130 مواطنًا قطريًا. طُلب من المشاركين كتابة أول سبع كلمات تتبادر إلى أذهانهم يرتبطون بها مع القيم، وتقييم شدة مشاعرهم نحوها، حددت هذه العملية 13 قيمة شائعة، شكلت أساس تطوير بنود المقياس. في الدراسة التحقق من الصحة، تم توزيع استبيان شامل يضم مقياس القيم العربية المطور، بالإضافة إلى مقاييس القيم الآسيوية واللاتينية، على 186 مقيمًا في قطر. هدفت هذه المرحلة إلى إيجاد الترابطات بين المقاييس، مما يعزز موثوقية وصحة مقياس القيم العربية.

كشف التحليل العاملي أن مقياس القيم العربية يتألف من ستة عوامل رئيسية تشمل 37 بندًا، مما يظهر اتساقًا داخليًا قويًا. العوامل، مرتبة حسب الاتساق، تشمل المبادئ الأخلاقية مع المحيط (مثال: لدي مبادئ توجيهية أخلاقية واضحة أضعها في ذهني وأتبعها في جميع الأوقات)، العادات والتقاليد (مثال: أرى بأن العادات والتقاليد ليست عائقًا أمام التطوُّر)، السلوكيات المتوافقة اجتماعيًا (مثال: أرى بأنه من مسؤولية المرء التدخل في موقف خاطئ حدث أمامه)، الشجاعة (مثال: عادةً التزم الصمت حين لا أستطيع مواجهة من أخطأ في حقي)، الصدق (مثال: تزييف الحقيقة من أجل مراعاة مشاعر الآخرين قد يكون ضروريًا في بعض المواقف)، التدين (مثال: عندما لا أنجح في أمر سعيت إليه أنسب ذلك لتقصيري في أحد جوانب الدين).

خلصت الدراسة إلى مجموعة العوامل التي تؤلف مقياسًا للقِيم العربية في البيئة القطرية. تميز مقياس القِيم العربية باحتوائه على عوامل لم تتوفر في المقاييس الأخرى، منها الشجاعة والصدق، وهذا ما يدل على أهميتها كمفاهيم مرتبطة بالثقافة العربية. نعتقد بأن هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به لتشكيل المقياس بصورته النهائية، كذلك تطبيقه على المجتمعات العربية الأخرى للبحث عن أوجه التشابه أو الاختلاف في القِيم العربية بين المجتمعات العربية المختلفة.