+ A
A -
الدوحة- الوطن

افتتح «المُجادِلة: مركز ومسجد للمرأة» أبوابه في مطلع عام 2024، حاملاً رؤية طموحًا ألا وهي أن يكون وجهة مؤثرة وفاعلة في تقديم الدعم والرعاية للمرأة المسلمة، وتشجيعهن على التدارس والتحاور والمشاركة في النقاش العام. اليوم، وبعد مرور ستة أشهر فقط على انطلاقته، بدأ المركز في تحقيق أهدافه تحت قيادة الدكتورة سهير صديقي، المدير التنفيذي والأستاذ المشارك في الدراسات الإسلامية وعلوم الأديان بجامعة جورجتاون في قطر.

كان إنشاء مركز المُجادِلة مبادرة من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، مجسدًا رؤية تسعى إلى تعزيز الهوية الإسلامية للمرأة في قطر عبر توفير مكان للعبادة والتعلّم، وللتطوير والإرشاد، واستنباط الحلول من داخل الإسلام.

ونجحت الدكتورة سهير صديقي بفضل معرفتها الواسعة في الشأن الإسلامي وخبرتها في إطلاق مراكز تعليمية مختلفة في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس. وتقول: «حين تم التواصل معي للمرة الأولى حول تأسيس مركز «المُجادِلة»، وجدت في ذلك فرصة استثنائية لإنشاء مساحة فريدة للتعلم والحوار»، صار بإمكان الدكتورة صديقي من خلال منصبها الجديد المزج بين خبرتها الأكاديمية وفهمها العميق للفجوة القائمة في دراسات حياة المرأة المسلمة في الماضي والحاضر.

يحتفي المركز بإسهامات النساء المسلمات عبر التاريخ، وإظهار تأثيرهن القيادي والفكري في الحضارة الإسلامية. حتى أن اسم «المُجادِلة» نفسه، المستوحى من سورة المجادلة، يشير إلى الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، التي حاورت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان جدالها سبباً في نزول الآيات الأولى من سورة المُجادلة، وفي تغيير قوانين الطلاق التي لا تزال سارية في الشريعة الإسلامية إلى الآن.

ويدرس المركز الأبعاد المختلفة لمشاركة المرأة المسلمة في المجال العام، باحثةً أو ناشطةً اقتصادية وسياسية، والعمل على فهم كيفية تشكّل هذه الأبعاد عبر العوامل الثقافية والدينية والسياسية ضمن سياقات تاريخية ومعاصرة مختلفة.

كما يُعدّ «المجادِلة» محورًا لشبكات البحوث، وبناء القدرات، وتبادل الأفكار بين العلماء والباحثين والنساء المسلمات من جميع الخلفيات. إذ يركز على دعم المشروعات البحثية في محاور عديدة هي:(1) النصوص، والقوانين، والأخلاق الإسلامية؛ (2) حياة المرأة المسلمة (3) الصحة الجيدة والحياة الكريمة للمرأة المسلمة.

ويرتبط منصب الدكتورة صديقي في مركز «المُجادِلة» أيضاً بجهودها الأكاديمية، إذ سبق لها نشر عدة كتب عن تاريخ الشريعة الإسلامية. وقريباً يصدر لها كتاب جديد بعنوان: «صراع القوى الاستعمارية: إعادة تشكيل الشريعة الإسلامية في الهند أثناء الحكم البريطاني»، وفيه تستكشف أوجه فشل الاستعمار البريطاني في محو معالم الشريعة الإسلامية بدءاً من عام 1757، وكيف حافظت هذه الشريعة على وجودها واستمراريتها رغم محاولات شركة الهند الشرقية البريطانية استبدال سلطة المغول وإعادة تشكيل نظام قانوني يخدم مصالحها الإدارية. وتلقى الكتب والمقالات البحثية التي أجرتها حول الشريعة الإسلامية والاستعمار والنوع الاجتماعي استحساناً واسعاً، لا سيما لأنها متاحة باللغتين العربية والإنجليزية. وحديثاً تُرجم كتابها «تحديد الشريعة: السيولة القانونية والتغيير في النظرية والتاريخ والممارسة» إلى اللغة العربية، بينما لا يزال كتابها الصادر عام 2019، بعنوان «القانون والسياسة في عهد العباسيين: صورة فكرية للجويني» (كامبردج 2019) قيد الترجمة.

هذه الخبرة البحثية الواسعة تسخّرها الدكتورة صديقي في خدمة «المجادِلة للبحوث»، الذي يُعدّ وجهة متخصصة للأبحاث المعنية بتاريخ المرأة المسلمة، وخبراتها الحياتية والتحديات المعاصرة التي تواجهها. وقد تم تحديد الموضوع البحثي للعام الحالي 2024 تحت عنوان «النساء المسلمات في الفضاء العام: الإمكانيات والتحديات»، وفيه يتم التركيز على استكشاف كيفية مشاركة المرأة المسلمة ومساهمتها في المجتمع والحياة العامة منذ بزوغ فجر الإسلام حتى يومنا هذا.

وتتعامل الدكتورة مع منصبها مديرًا تنفيذيًا ليس فقط كإنجاز مهني، بل أيضًا كمُهمَّة شخصية. فكونها باحثة وأمًا لمولود جديد، جعلها تتلمس الأثر الكبير والإيجابي للمركز، وتقول: «ترأستُ مجلس أمناء كلية كامبريدج الإسلامية لعدة سنوات، وكان من دواعي سروري أن أساعد في تأسيس مركز تعليمي جديد في منطقتنا، نركز فيه على تقديم المنح الدراسية النسائية وبحث القضايا الإسلامية».

بعد استقبال آلاف النساء في الشهور الأولى من الافتتاح، وتقديم أكثر من خمسين فعالية ونشاطًا، والاحتفال بأنشطة شهر رمضان الأول منذ افتتاح المركز، ما زال في جعبة مركز «المُجادِلة» خططًا طموحًا تتجاوز الإنجازات الكبيرة في العام الأول؛ إذ يعمل القائمون عليه على توسيع أنشطته عبر طرح شراكات ومبادرات جديدة في الشهور المقبلة. وتقول الدكتورة صديقي: «نحن ملتزمون بتمكين المرأة من تحقيق النمو الفكري، وتوسيع دائرتها الاجتماعية وبناء قدراتها البحثية».

copy short url   نسخ
26/07/2024
5