يأتي اجتماع الفصائل الفلسطينية في هذا التوقيت الدقيق من المرحلة التي تمرّ فيها منطقة الشرق الأوسط والعالم والأحداث والتطورات السياسية والعسكرية، تأكيداً على دور الصين البارز والمتصاعد على الساحة الدولية، لتؤكّد الصين من خلال هذه الدعوة أنّها شريك فاعل وموثوق لكثير من الأطراف والجهات المحلية والدولية.

تأتي هذه الدعوة في الوقت الضائع أميركياً إبان انسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي، وما تركه من تداعيات على الداخل الأميركي، وإبان مجموعة غير قليلة من الإخفاقات الواضحة في السياسة الخارجية على مستوى حل النزاع، حيث تقيّم أوساط أكاديمية سياسية، أنّ الدور الأميركي تحول في العالم من وسيط فاعل في حلّ النزاعات الدولية إلى طرف في العديد الغالب منها.

دعوة الصين للفصائل الفلسطينية، دليل إدراك بمكامن الخلل الفلسطيني، إذ تشكّل الخلافات والانقسامات الداخلية العقبة الأساسية ونقطة الضعف المركزية للقضية الفلسطينية. فمن غير المقبول أن تستمر هذه الخلافات الداخلية تحت نير الاحتلال وما يقترف بحق الشعب الفلسطيني من جرائم، خصوصاً في المرحلة الأخيرة في غزة والضفة الغربية. ويقيناً من الصين أنّه لن تكون هناك بداية حل الّا بعد إتمام المصالحة والوحدة الداخلية بين الشعب الفلسطيني عبر الفصائل المتناحرة، لا سيما الأكبر حجماً على المستوى الشعبي حركتي «حماس» و«فتح».

تستند المبادرة الصينية على مبدأ «تعزيز الحوار» بين الفصائل الفلسطينية كمدخل لحل النزاعات في ما بينها، وكمدخل للوصول إلى الوحدة في النظرة الاستراتيجية حول القضايا المصيرية التي تخصّ الداخل وحقوق الشعب في تقرير المصير، وهنا يكمن السؤال أي مصير في ظل الانقسام والخلاف على كل شيء؟

ويأتي «دعم التنمية» في صلب المبادرة الصينية. إذ أنّها اليوم تُعتبر الاقتصاد الأول في العالم، وأنّها القادرة على مدّ الشعب الفلسطيني ما يحتاجه من المساندة المادية والاستثمار في المقومات الأساسية التي انعدمت في ظل الحصار والعدوان. ويأتي هذا الطرح للدعم في ظل انكفاء الغرب عن التمويل والقدرة على الاستثمار والضخ المالي، تحت وطأة أكلاف الحرب الأوكرانية والأزمات الاقتصادية التي تعصف بمعظم الدول والركود الاقتصادي المتمادي والمستمر منذ أزمة كورونا.

«التنسيق الدولي» من إحدى الركائز الأساسية في السياسة الصينية. إذ لا تسعى الصين بالانفراد في الحلول للمشاكل الدولية، بل تسعى، بالرغم من الصعاب والعقبات، إلى التعاون والتنسيق على الساحة الدولية مع القوى الأساسية والفاعلة كالولايات المتحدة والدول الأوروبية، ولكن من دون التوقف على مدى تعاونهم. إذ إنّها تطلب التعاون ولا تعلّق مصير المبادرات عليه. وهذا ما شهدناه جلياً في المصالحة الكبيرة التاريخية بين السعودية وإيران.«الجمهورية» اللبنانية