+ A
A -
جريدة الوطن

قدّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة قطر دراسة شاملة عن بُنية الأسرة القطرية ووظائفها، من إعداد الباحثة المساعدة أفراح العتيبي، وهي دراسة شاملة عن الأسرة القطرية. حيث تتناول هذه الدراسة التوازن الدقيق الذي تحافظ عليه الأسر القطرية بين التقاليد الراسخة والمتطلبات المتطورة للحداثة المتأثرة بشكل كبير بالعولمة والأيديولوجيات الغربية.

وهدفت الدراسة التي تحمل العنوان «بنية الأسرة القطرية ووظائفها: التوازن بين التقاليد والحداثة»، إلى الإجابة على سؤال محوري: هل تمثل الأسرة القطرية نموذجاً فكرياً تقليدياً أم حداثياً؟ وتتناول هذه الدراسة العديد من الأسئلة الفرعية، بما في ذلك بنية وعناصر الأسرة القطرية، وظائفها، أدوار أفرادها، والسلوكيات والعادات السائدة.

في ظل التحولات العالمية والأحداث الهامة، يواجه المجتمع القطري مثل غيره من المجتمعات العربية آثاراً ناتجة عما يدور في العالم من تحوُّلات وأحداث جِسام، كالعولمة والجوائح، فضلاً عما يواجه العالم العربي من خيارات عسيرة تُفرَض عليه بفعل السياسات الخارجية الناعمة وتدخُّل المُنظَّمات غير الحكومية التي تتعامل مع قضايا حساسة كالأُسرة والمرأة، والتعليم، والدين، وغيرها. وفي خِضم تلك الأحداث والتحوُّلات العديدة، تقف الأُسرة القطرية قبالة اتجاهات فكرية متعددة، وتتعامل مع ضغوطات تُمارس تجاه أفرادها يُمكِن تصنيفها إلى نوعين؛ التقاليد التي تشكَّلت بفعل الأعراف العربية والدين الإسلامي، والتوجهات الحداثية التي تشكَّلت بفعل العولمة والانفتاح غير المعهود على القِيم العالمية خاصة الغربية ذات الطابع الرأسمالي الليبرالي المادي.

استندت الدراسة إلى دراسات سابقة تتبعت تطور الأسرة القطرية على مدى عقود من الزمن. والجدير بالذكر أن دراسة جهينة العيسى في عام 1982 سلطت الضوء على التحول نحو بنية الأسرة النووية بعد اكتشاف النفط، مع الحفاظ على النظام الأبوي. كما كشفت دراسة أمينة الكاظم عام 1993 أن التعليم والعمل بين النساء أدخل قيماً جديدة وتغييرات في نمط الحياة، مثل الاستقلال الاقتصادي وتغيير الأدوار الاجتماعية. وأشارت دراسة فاطمة الكبيسي في عام 2017 إلى أنه على الرغم من هذه التغييرات، استمرت المسؤوليات التقليدية إلى حد كبير، مع ظهور بوادر شراكة في المسؤوليات المالية للأسرة.

وباستخدام نهج كمي، وزع فريق البحث استبياناً على 240 مواطناً قطرياً، يغطي موضوعات مثل هيكل الأسرة ووظائفها وسلوكيات أفرادها. تم تحليل البيانات باستخدام مقياس ليكرت الخماسي، وكذلك باستخدام برنامج SPSS، مما كشف عن رؤى حول التصورات التقليدية والحديثة للأسرة القطرية.

وحددت الدراسة ثلاث مراحل فكرية متميزة داخل الأسرة القطرية. أولاً، تستمر الأسرة القطرية في التمسك بالتقاليد الدينية والثقافية، مثل أداء الصلاة بانتظام، وارتداء الزي الوطني، وعادة أكل وجبة يومياً مع بعضها البعض. وتركز النساء في المقام الأول على تربية الأطفال، في حين أن الآباء هم صانعو القرار الرئيسيون. ثانياً، تشهد بعض جوانب الحياة الأسرية حالة من التغيير، مثل التحول نحو الأسر النووية، ومساهمات المرأة المالية، والتحدث بغير اللغة العربية بين أفراد الأُسرة. ثالثاً، تشمل الاتجاهات الجديدة مثل قبول الزواج من خارج القبيلة، ومشاركة الآباء في تربية الأطفال، وتفضيل أنماط الحياة المترفة.

واقترح فريق البحث عدة توصيات لدعم بنية الأسرة العربية والحفاظ عليها ككيانٍ مركزيٍ وهام في المجتمع. إن تشجيع الزواج وتعزيز أهمية تكوين الأسرة بين الشباب أمر ضروري كوحدة اجتماعية أساسية. تعزيز دور الأسرة في التربية وترسيخ القيم لدى الشباب أمر بالغ الأهمية. يوصى بدمج تعزيز القيم الأسرية في المناهج المدرسية والجامعية لتعزيز أخلاقيات الأسرة والتواصل الأسري. سيكون من المفيد إجراء دراسات دورية كل خمس سنوات لرصد التحولات الجارية في التصورات الأسرية. سيساعد تعزيز الأسرة من خلال البرامج والمبادرات الدينية من قبل المؤسسات الدينية في الحفاظ على القيم الأساسية. إن معالجة زحف اللغات الأجنبية وضمان استمرار استخدام اللغة العربية داخل الأسر أمر ضروري للحفاظ على الاستمرارية الثقافية.

والجدير بالذكر أن هذه الدراسة الشاملة سلطت الضوء على الديناميكيات المتطورة للأسرة القطرية، مع التأكيد على الحاجة إلى نهج متوازن يحترم القيم التقليدية مع تبني جوانب مفيدة من الحداثة. ومن خلال فهم هذه التحولات، يمكن لقطر أن تضع استراتيجيات مستنيرة لدعم الأسرة وتعزيزها باعتبارها حجر الزاوية في بنيتها الاجتماعية.

copy short url   نسخ
29/07/2024
0