+ A
A -
د. جمال حسن عتموري محام وكاتب

تتصف العيون الكبيرة بنقاء بياضها، حتى يقال لها في اللغة العربية النجل والنجلاء تعني الحسناء واسعة العيون وتعتبر من أهم علامات الجمال عند المرأة، ومن أبرز الشخصيات المعاصرة التي ارتبطت بالعيون الكبيرة هي الفنانة التشكيلية «مارجريت دوراس هوكينز» قبل أن تشتهر لاحقاً باسم «مارجريت كين» لزواجها الثاني من «والتر كين»، وكانت قد تعرضت في الثانية من عمرها لالتهاب في غشاء طبلة الأذن أثر على سمعها بدرجة كاملة، وكرد فعل طبيعي للتعويض عن هذا النقص، فقد كانت تستلهم لوحاتها من النظر والتحديق في العيون باعتبارها الجزء الأكثر تعبيراً في الوجه عن المكنونات والدواخل، فأظهرت لوحاتها أطفالاً وحيوانات بعيون كبيرة وتعبيرات حزينة ميزتها عن غيرها من الأعمال الشهيرة آنذاك، وجذبت إليها هواة جمع الأعمال الفنية وأصحاب الإعلانات التجارية لاستخدامها في تصاميم ملابس الأطفال.

انتقلت «مارجريت» بعد طلاقها من زوجها الأول إلى سان فرانسيسكو مع ابنتها منه وكانت تطعمها من عائد ما ترسمه من لوحات تعرضها في الشوارع على الجدران وتبيعها بدولارات قليلة غير مدركة لموهبتها، فأوقعها القدر في طريق النصاب «والتر كين» وهو سمسار عقارات وخبير تسويق ماهر سرق لوحات فنانين مغمورين وعرضها بجوارها باسمه وبدأ يرمي شباكه حولها إلى أن تزوجها في العام 1955م، وكانت حالة انعدام السمع التي تعاني منها قد جعلتها ضعيفة مترددة تميل نحو العزلة وقضاء الساعات الطوال في المرسم مشغولة بلوحاتها، فاستغل «والتر» هذا الوضع وأقنعها بأن تتفرغ لفنها وتترك له أمر تسويق أعمالها وبيعها، غير أنه كان يعرض رسومات زوجته مدعياً بأنها من إبداعه الشخصي، ويصرح لوسائل الإعلام بأنه يستمد الإلهام من الأطفال الأيتام الذين صادفهم في رحلاته حول العالم ويجسده في أعماله الفنية، وقد ساعد أسلوبه المبهر وطريقة عرضه على زيادة شعبية هذه الرسومات، وجعلها تعرف في الصالونات الفنية وأندية العرض بعيون كبيرة قبل أن تباع بملايين الدولارات خلال حقبة الستينيات، ولم تكن «مارجريت» تعلم بأنه يسرق مجهودها ويتمتع بالمجد والشهرة من فنها إلى أن خرجت يوماً من عزلتها وقامت بزيارة مفاجئة إلى النادي الذي تُعرض فيه لوحاتها، وهكذا وجدت نفسها تتعرض للطمة قوية من زوجها الذي جرد إبداعها من أمومتها له ونسبه إلى اسمه، وشعرت أنها لم تعد تحتمل حياة الخضوع والمسكنة وقد آن الأوان لتطلب الطلاق وتخرج إلى الناس بشخصية جديدة، إلا أن ما زادها إيلاماً أن ذلك المحتال قد ربط موافقته على الطلاق بأن ترسم له مائة لوحة وتكتم سره، فلم تقبل بالمزيد من الاستغلال وقررت أن تواجه الموقف بشجاعة، وخلال مقابلة إذاعية أُجريت في السبعينيات بمساعدة الصحفي «دان ماكغواير» تم فضحه وتعريته وقد وصلتها مئات الرسائل تحثها على اللجوء إلى القضاء للحصول على الطلاق ورد اعتبارها الأدبي.

في العام 1968م بدأت المحاكمة ولم تكن «مارجريت» تملك أية بينة في مواجهة زوجها الداهية الذي اعتاد على دعوة المشاهير، ورجال المجتمع إلى السهر معه كل ليلة في قصره الذي بناه من أموالها، وكان يسمر ضيوفه على مقاعدهم وهم يستمتعون بحديثه المنمق حول الفن ولوحاته، بينما تكون هي مستغرقة في إبداعها داخل المرسم طوال اليوم لا تعي بما يدور خارجه لهذا لم يشاهدها أحد على الإطلاق تحمل ريشة أو ترسم لوحة، إلا أن قاضي تلك المحاكمة الفريدة قد لجأ إلى وسائل إثبات غير مألوفة؛ إذ طلب من الطرفين أن يرسم كل منهما داخل المحكمة لوحة بعيون كبيرة خلال ساعة واحدة من الزمان، ولما أُحضرت الأدوات لم يستطع «والتر» الرسم وقبلت «مارجريت» التحدي وفي أقل من ساعة أكملت اللوحة، وأثبتت صحة دعواها وسط تصفيق الحضور من المتعاطفين معها، فنالت بذلك أحكاماً قضائية بموجبها حصلت على الطلاق واستعادت حقوقها الأدبية والفنية، وقد تغيرت حياتها حيث انتقلت إلى هاواي بعد زواجها من الصحفي «ماكغواير» في العام 1970م وتركت العيون الحزينة واتجهت إلى رسم عيون مرحة وأكثر سعادة.

عيون كبيرة قصة واقعية تحولت في العام 2014م إلى دراما سينمائية أميركية من إخراح «تيم بيرتون»، وقد كان الفيلم يمثل تحدياً كبيراً له لأنه يختلف عن الأفلام التي تميز بها كالرجل الوطواط وأليس في بلاد العجائب، وغيرها من أفلام الفنتازيا والآكشن والخيال العلمي، لكنه اجتاز التحدي من خلال ربط عناصر القصة وتوفيقه في اختيار الشخصيات وتقديم الصورة الانتهازية لـ«والتر» بإسناد دوره إلى الممثل النمساوي وأبرز نجوم هوليود «كريستوف والتز» الذي أضافً إلى أدواره التي اشتهر بها دوراً جديداً، كما نجح المخرج في إظهار ضعف «مارجريت» واستسلامها في وقت ما وإثبات قوتها واستعادتها لثقتها في نفسها أثناء المحاكمة والمقابلات الإذاعية، وذلك من خلال اختيار النجمة «إيمى آدامز» لتلعب هذا الدور الذي نالت به جائزة مهرجان كابري لأفضل ممثلة وجائزة كولدن كلوب لأدائها المتميز، وقد حقق هذا الفيلم نجاحاً فنياً ومادياً كبيراً حيث كانت كلفة الإنتاح 10 ملايين دولار وبلغت مبيعات شباك التذاكر 29.3 مليون.

copy short url   نسخ
30/07/2024
5