في صيف عام 1998، اجتمع ممثلو دول العالم في روما لعقد اجتماع تاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وافقت 120 دولة على نظام روما الأساسي، واضعين بذلك الأساس لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة على الرغم من معارضة سبع دول وامتناع 21 أخرى عن التصويت، لكن هذا الاتفاق اعتُبر خطوة حاسمة نحو محاسبة مرتكبي الجرائم التي تهز ضمير الإنسانية.
شهد القرن العشرين حربين عالميتين مروعتين، نتج عنهما مقتل ملايين الأشخاص وتشريدهم في نزاعات مسلحة أدت إلى الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية. وتركت هذه الفظائع أثرا عميقا على الوعي الجماعي للبشرية، مما دفع إلى إنشاء هيئة قضائية دولية مسؤولة عن محاسبة الجناة ومنع تكرار مثل هذه الجرائم.
وفي الأول من يوليو 2002 تأسست المحكمة الجنائية الدولية قانونيا، ودخل نظام روما الأساسي حيز التنفيذ في 11 أبريل من نفس العام، بحيث تكمل القضاء الوطني للدول الأعضاء وتتدخل عندما تكون هذه المحاكم غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في الجرائم الخطيرة. وتم اختيار موقع المحكمة في لاهاي بهولندا.
ومثّل إنشاء المحكمة خطوة هامة في تاريخ الإنسانية نحو تحقيق العدالة العالمية في عالم شهد الكثير من الفظائع، بحيث أصبح وجود هيئة قضائية دولية قادرة على محاسبة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب أمرا ضروريا للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وبهذا، تظل المحكمة الجنائية الدولية شاهدا حيا على التزام المجتمع الدولي بمحاربة الجرائم التي تهدد البشرية جمعاء.
والمحكمة ليست مجرد مؤسسة قضائية، بل هيكل معقد يضم عدة مكونات رئيسية تتولى الرئاسة، المؤلفة من ثلاثة قضاة ينتخبون من الهيئة القضائية لفترة ثلاث سنوات، بحيث تتولى الشعبة القضائية، التي تضم 18 قاضيا متخصصين في القانون الجنائي والإجراءات الجنائية، والقانون الدولي إدارة الشؤون العامة للمحكمة، بما يضمن فحص القضايا المعروضة أمام المحكمة من جميع الجوانب القانونية.
وتختص الجنائية الدولية بملاحقة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وفقا لنظام روما الأساسي، وتشمل جرائم الإبادة الجماعية وأعمال القتل، أو التسبب في أذى جسدي شديد بهدف تدمير جماعة قومية، أو إثنية، أو دينية كليا، أو جزئيا.
وتعرف الجرائم ضد الإنسانية على أنها أي أفعال محظورة تُرتكب بشكل منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاسترقاق والترحيل والتفرقة العنصرية، أما جرائم الحرب فتشمل جميع الانتهاكات المرتكبة ضد اتفاقية جنيف لعام 1949 وانتهاكات قوانين الحرب في النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية.