بعد اندلاع الأزمة الخليجية في الخامس من يونيو 2017، تصاعدت الاتهامات السعودية لدولة قطر، بعد وجبة تعبئة ضخمة هيأت لها أبوظبي بفترة مفصلية. في حينها حُركّت اتهامات خطيرة للدوحة بأن مفرزتها العسكرية تعطي إحداثيات للحوثيين تساهم في قصف أشقائهم من الجنود السعوديين، وللقارئ الكريم أن يتصور حجم فانتازيا الاتهام،
والذي روج عن الفترة التي اتحدت فيها قطر كلياً مع السعودية، جزءٌ منه قناعة ذاتية بأن التمدد الإيراني لا يمكن وقفه الا بإسناد عسكري مباشر، خاصةً بعد فواته في العراق وسوريا، بعد أخطاء الاتراك والعرب في إدارة معركة الإسناد.
حينها مثل اليمن سقوط العاصمة الثالثة بعد تمكين الرياض لاجتياح الحوثيين، بأمل أن تقع مواجهة أهلية بين الإصلاحيين والحوثيين، فتحولت البوصلة سريعا، ونجحت خطة الحرس الثوري الإيراني، والخلية المكلفة من حزب الله بتحويل الدعم السعودي إلى حركة التفاف أطبقت على صنعاء، وأسقطت اليمن الجمهوري، فبات تاريخ اليمن وهويته يترنح في قبضة فارس.
حينها كانت هناك سلطة شرعية منتخبة شعبيا، وهناك هيكل إداري لقوات مسلحة يمنية، توالي اليمن المستقل قبل اليمن الإيراني أو السعودي، وبالتالي كان قرار الدعم العسكري مفهوما، وحينها كان الجسم القبلي أقرب للدولة من عقيدة اليمن الإيراني، وهو ما يُسهل إنجاز مهمة عسكرية سريعة بأهل اليمن ذاتهم، تستثمر ثقافة التواصل القبلي لتقليل مساحة الحرب، وأن الرياض أدركت خطيئتها الكبرى، (حسب ما كان يُعتقد)، فستؤمن هذا الدعم.
حصلت النكبة وبدأ حصار هادي مبكراً، ثم فرضت أبو ظبي قرارها لإدارة الحرب، وصنعت جسما كاملا من تنظيم عسكري سياسي تديره مخابراتها في الجنوب، وفي حينها كان حضور الطرف القطري المشكك في المشروع الظبياني في الخليج عائقاً، لخشية أبوظبي من أي تأثير على القرار السعودي قد يفسد هيمنتها على ولي العهد.
أما السبب الثاني لشراكة قطر فيتمثل في رؤية الدوحة بأن ما بعد أزمة 2014 اقتضى مراعاة الجانب السعودي، فتحولت الجزيرة وعبر مشروعها المؤثر إلى جبهة دعم إعلامي ضخم للمعركة السعودية، حتى أن الجزيرة توسعت في ظل الأخطاء الكبرى التي طرأت عليها، وانزلقت إلى اللغة الطائفية، التي بعثتها الوهابية ضد أهل السنة المخالفين لها فضلاً عن الشيعة، في ظل ثقافة الصحوة التي سُحقت لاحقاً.
في تلك الفترة ظهر الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خلال زيارة لأحد المصابين القطريين، وعبّر بعفوية عن تأييده لقرار الإسناد العسكري السعودي، وفقا للمعادلة التي ذكرناها، بمعنى أن الدولة ورموزها والسياسة التي قادها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، كانت في سياق الدعم الواضح الجلي، ومع ذلك قوبل الموقف القطري بالجحود والتحريض، وكنتَ ستجد في تحية العسكري السعودي، خلال بروتوكول التوديع غصة في حلقه كعربي سعودي، وهو يودع الكتيبة القطرية. وسنُجيب على سؤال الجدل الحالي عن تحول قطر لعلاقة مختلفة مع إيران بعد الأزمة:
أولاً أن دول الساحل الخليجي أبقت لعقود على جسور مع القوة الإقليمية الكبرى كشريك جوار متداخل العلاقة، وكانت أسواق دبي هي الأكبر في نوع هذه العلاقة، لكن الدوحة توترت علاقتها مع طهران بعد الربيع العربي، دون أن تصل للقطيعة الكاملة، وازداد التوتر، بعد دعم حرب اليمن، فإذا بها تستيقظ على خنجر الغدر ليس من إيران، بل من الشقيق الذي دعمته، فيغلق الحدود ويمنع الطعام والدواء عن عجائزها ومرضاها، ويضع العوائق أمام نساكها للبيت الحرام.
طهران الذكية لم تفوت الفرصة، وتعاملت بموقف الدولة الكبرى ذات الدلالة العقلية والمصالح الاستراتيجية، ففتحت الأبواب الإنسانية ولم يكن ذلك مجاناً، كون أهل قطر مضطرين لتأمين قوت أطفالهم وتموين دولتهم، أما الطرف الآخر فقد ظل في عنته، حتى استيقظ اليوم على أن أبو ظبي لم تسلّم إحداثيات جنوده فقط، بل سلمت إحداثية اليمن كله لطاولة المفاوضات مع إيران، فصرخ المشهد للرياض (على نفسها جنت براقش).بقلم: مهنا الحبيل
والذي روج عن الفترة التي اتحدت فيها قطر كلياً مع السعودية، جزءٌ منه قناعة ذاتية بأن التمدد الإيراني لا يمكن وقفه الا بإسناد عسكري مباشر، خاصةً بعد فواته في العراق وسوريا، بعد أخطاء الاتراك والعرب في إدارة معركة الإسناد.
حينها مثل اليمن سقوط العاصمة الثالثة بعد تمكين الرياض لاجتياح الحوثيين، بأمل أن تقع مواجهة أهلية بين الإصلاحيين والحوثيين، فتحولت البوصلة سريعا، ونجحت خطة الحرس الثوري الإيراني، والخلية المكلفة من حزب الله بتحويل الدعم السعودي إلى حركة التفاف أطبقت على صنعاء، وأسقطت اليمن الجمهوري، فبات تاريخ اليمن وهويته يترنح في قبضة فارس.
حينها كانت هناك سلطة شرعية منتخبة شعبيا، وهناك هيكل إداري لقوات مسلحة يمنية، توالي اليمن المستقل قبل اليمن الإيراني أو السعودي، وبالتالي كان قرار الدعم العسكري مفهوما، وحينها كان الجسم القبلي أقرب للدولة من عقيدة اليمن الإيراني، وهو ما يُسهل إنجاز مهمة عسكرية سريعة بأهل اليمن ذاتهم، تستثمر ثقافة التواصل القبلي لتقليل مساحة الحرب، وأن الرياض أدركت خطيئتها الكبرى، (حسب ما كان يُعتقد)، فستؤمن هذا الدعم.
حصلت النكبة وبدأ حصار هادي مبكراً، ثم فرضت أبو ظبي قرارها لإدارة الحرب، وصنعت جسما كاملا من تنظيم عسكري سياسي تديره مخابراتها في الجنوب، وفي حينها كان حضور الطرف القطري المشكك في المشروع الظبياني في الخليج عائقاً، لخشية أبوظبي من أي تأثير على القرار السعودي قد يفسد هيمنتها على ولي العهد.
أما السبب الثاني لشراكة قطر فيتمثل في رؤية الدوحة بأن ما بعد أزمة 2014 اقتضى مراعاة الجانب السعودي، فتحولت الجزيرة وعبر مشروعها المؤثر إلى جبهة دعم إعلامي ضخم للمعركة السعودية، حتى أن الجزيرة توسعت في ظل الأخطاء الكبرى التي طرأت عليها، وانزلقت إلى اللغة الطائفية، التي بعثتها الوهابية ضد أهل السنة المخالفين لها فضلاً عن الشيعة، في ظل ثقافة الصحوة التي سُحقت لاحقاً.
في تلك الفترة ظهر الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خلال زيارة لأحد المصابين القطريين، وعبّر بعفوية عن تأييده لقرار الإسناد العسكري السعودي، وفقا للمعادلة التي ذكرناها، بمعنى أن الدولة ورموزها والسياسة التي قادها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، كانت في سياق الدعم الواضح الجلي، ومع ذلك قوبل الموقف القطري بالجحود والتحريض، وكنتَ ستجد في تحية العسكري السعودي، خلال بروتوكول التوديع غصة في حلقه كعربي سعودي، وهو يودع الكتيبة القطرية. وسنُجيب على سؤال الجدل الحالي عن تحول قطر لعلاقة مختلفة مع إيران بعد الأزمة:
أولاً أن دول الساحل الخليجي أبقت لعقود على جسور مع القوة الإقليمية الكبرى كشريك جوار متداخل العلاقة، وكانت أسواق دبي هي الأكبر في نوع هذه العلاقة، لكن الدوحة توترت علاقتها مع طهران بعد الربيع العربي، دون أن تصل للقطيعة الكاملة، وازداد التوتر، بعد دعم حرب اليمن، فإذا بها تستيقظ على خنجر الغدر ليس من إيران، بل من الشقيق الذي دعمته، فيغلق الحدود ويمنع الطعام والدواء عن عجائزها ومرضاها، ويضع العوائق أمام نساكها للبيت الحرام.
طهران الذكية لم تفوت الفرصة، وتعاملت بموقف الدولة الكبرى ذات الدلالة العقلية والمصالح الاستراتيجية، ففتحت الأبواب الإنسانية ولم يكن ذلك مجاناً، كون أهل قطر مضطرين لتأمين قوت أطفالهم وتموين دولتهم، أما الطرف الآخر فقد ظل في عنته، حتى استيقظ اليوم على أن أبو ظبي لم تسلّم إحداثيات جنوده فقط، بل سلمت إحداثية اليمن كله لطاولة المفاوضات مع إيران، فصرخ المشهد للرياض (على نفسها جنت براقش).بقلم: مهنا الحبيل