بعد دقائق من الإعلان رسميًا عن اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وصف موقع «إسرائيل اليوم» عملية الاغتيال بـ «التطور المذهل» الذي «من شأنه أن يعيد تشكيل الحرب المستمرّة منذ أكثر من تسعة أشهر في غزة».

العملية بالغة الخطورة، وهي زلزال حقيقيّ، قد يضرب الشرق الأوسط، وقد يتضرر منه الداخل الإسرائيلي نفسه، ولعل ذلك الذي حمل تل أبيب ـ المتهم الأول حتى الآن ـ على الصمت والتهرب من أي أسئلة من صحفيي المنصات الإخبارية العالمية.

وأيًا ما كان الأمر.. فهل إسرائيل «سعيدة» باغتيال أهم قيادة عربية معادية لها؟! ليس بوسع أحد أن يقطع بذلك! فالشارع الإسرائيلي مشغولٌ بصفقة تبادل الأسرى مع المقاومة، وليس باغتيال قادة فلسطينيين.

توقيت العملية، ربما يعيد نتانياهو إلى هدف في ميدان رماية الإسرائيليين مجددًا، الذين يعتبرونه أكبرعائق أمام إبرام صفقة تعيد أبناءهم الأسرى في غزة. بل ربما يُنظر إلى عملية اغتيال هنية بوصفها عملًا ليس في صالح الأمن القومي الإسرائيلي، وإنما في خدمة سيناريوهات نتيناهو المتعددة والمتنوعة لإفشال أي جهود لإنهاء الحرب، وتسوية ملف الأسرى؛ خوفًا من استئناف محاكمته في قضايا فساد، بات من المؤكد أنها ستقوده إلى السجن بعد أن تضع الحرب أوزارها.

عملية الاغتيال، من المرجح أنها قد نُفذت بدون استشارة سيد البيت الأبيض «الضعيف» معتمدة على أنه غير قادر حتى على العتاب أو التوبيخ.. فالبيان الأميركي قال إنه على «علم بالتقارير التي تتحدث عن اغتيال هنية»، فضلًا عن تصريحات وزير الدفاع الأميركي الذي أعاد ذات المعنى وأنه علم بـ «خبر» العملية، مثله مثل عامة الناس.

بيدَ أنه ليس من شك في أن هاريس نائبة الرئيس «المغيب» والذي لا يُخفي حاجته المستمرة إلى النوم فيما يشتعل العالم من حوله ـ المرشحة المحتملة، في مواجهة منافس جمهوري شرس – هي الآن في ورطة وأمام سؤال انفلات العقل السياسي الإسرائيلي، وعجز إدارتها «المؤقتة» عن وقف تهوره ونزقه وإحراج واشنطن أمام حلفائها الإقليميين، وتحملها سداد فواتير هوس نتانياهو بالسلطة ولو على حساب العالم كله، خاصة أن الحدث جلل، ويمسّ بسمعة الولايات المتحدة الأميركية، وبنفوذها وقدرتها في التأثير على قنوات وأوعية صناعة القرارات الإقليمية السيادية في الشرق الأوسط.

فضلًا عن تكلفة تورّطها في المنطقة حال دخلت إسرائيل في حرب أوسع تمتد من طهران والعراق شمالًا وإلى صنعاء جنوبًا مرورًا بلبنان وحزب الله، بما يعيد إسرائيل إلى ما قبل وجودها.

ومن المرجح أن تفضي العمليّة إلى مراجعة أميركية لخطابها التبريري للعربدة الإسرائيلية في المنطقة، إذ بات شعار «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها» شيكًا على بياض استخدمه نتانياهو لإضافة المزيد إلى رصيده السياسي بكل حمولته الشخصية القلقة من المحاكمة بعد الحرب، وخصمًا من رصيد واشنطن في منطقة مضطربة ولا يفصلها عن الفوضى إلا غياب الحضور الأميركي بشقّيه: العسكري والسياسي.

ولذا فإنه ليس من شك في أن اغتيال هنية «تهوّر» لا تُقدم عليه قيادة سياسية رصينة وعاقلة، فهو قد جاء بعد سويعات قليلة من اغتيال قيادة عسكرية وازنة لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، وقبل أن يقرّر الحزب سقف الرد على العملية.. فعلامَ كان يراهن نتانياهو وهو يوقّع على قرار اغتيال أرفع مسؤول سياسي ودبلوماسي في حماس، وأن يتم ذلك في داخل إيران القادرة على إلحاق الأذى بنصف إسرائيل؟!

العملية ضربة لإيران.. واستفزاز ليس بوسع المراقب، أن يستشرف مآلاته والخطوة التالية له.

وتبقى الإشارة هنا إلى أن اغتيال هنية يعتبر أكبر صفعة للسرديات العربية التي أحرجتها عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من صمود أسطوري على غير أي مثال سابق في تاريخ الشعوب التي كافحت من أجل استقلالها.

إذ لم تنفك ـ تلك السرديات قبل اغتياله ـ عن الادعاء بأنه يرفل في دفء الفنادق المخملية خارج فلسطين، تاركًا شعبه تفترسه آلة الحرب الإسرائيلية الهوجاء والعمياء، حيث استشهد أخيرًا هنية، ومن قبله ثلاثة من أبنائه حازم ومحمد وأمير في غارة جوية إسرائيلية في 10 أبريل/‏نيسان الماضي، كما فقد أربعة من أحفاده، هم ثلاث فتيات وصبي، في الهجوم نفسه.