حرفة الخزف جزء من تراث المغرب، خاصة مدن الشمال، ويعتبر المغرب من أهم منتجي الخزف في العالم، خصوصاً بعدما أثبتت الدراسات العلمية أن للأواني الطينية فوائد صحية كبيرة، كما أن فن الديكور المنزلي والمكتبي دائماً ما يهتم بالخزف الفني في الكثير من تفاصيله، وتعود صناعة الفخار في المغرب إلى ما قبل الميلاد، وتطورت باحتكاك الحضارات على أرضها، حيث طور الفينيقيون صناعة الخزف ودخلوا عليه النقوش وغلفوه بطبقة لامعة لحفظ الألوان، كما ادخل الرومان للخزف المغربي فنون النقش والزخرفة المحفورة، وتطعيمها بالألوان والمعادن.
وقد كشفت بعض الحفريات في عدد من المدن الأثرية مثل وليلي وشالة ولوكوس وأغادير ومراكش، عن نماذج وأشكال عريقة من الصناعات الفخارية تعكس عبقرية الصانع المغربي وذوقه المتأثر بمختلف الحضارات حول العالم وفي مختلف العصور.
أنواع الخزف
وينقسم الخزف المغربي إلى نوعين، «الخزف القروي» أو البلدي، وهي الأواني الطينية المستعملة في الحياة اليومية البسيطة للقرى، كالموقد والقدر وتتميز باحتفاظها في الغالب باللون البني الأصلي للطين والمائل للاحمرار بسبب التسوية لاكتساب الصلابة، ويتم تزيينه ببعض الزخارف والنقوش البسيطة.
أما النوع الثاني فهو الخزف «الحضري أو الموديرن»، ويغلب عليه الطابع الفني سواء في أواني المطبخ «الطجين القصرية والطنجية والأطباق وأواني المياه وحفظ الزيت»، أو تحف الزينة مثل «المزهريات والمباخر وصحون التزيين».
صناعة الخزف
اشتهرت مدن مثل أسفي وفاس وسلا ومراكش وتطوان، بصناعة الفخار، حيث إنها المناطق التي تتوافر على تربة طينية مناسبة لصناعة الفخار، وازدهرت حرفة صناعة الخزف أو «الخزافة» في المغرب لتوفره على تربة طينية مميزة وغنية بالمعادن، مما يكسب الخزف الصلابة اللازمة والطواعية في نفس الوقت، كما أن الصانع المغربي متشبث باستخدام الأدوات والأساليب التقليدية للحفاظ على روح الحرفة على مر القرون، وتعتمد الصناعة الخزفية على الطين كمادة أولية أساسية، تمر بعدة مراحل شاقة وتتطلب الوقت والخبرة، فبعد تنقية الطين من الأحجار والمواد الكلسية العالقة به، يوضع في صهاريج مائية لمدة طويلة، ثم يعرض لأشعة الشمس حتى يجف وهي عملية تستغرق 24 ساعة في الفصول غير المطربة، بعدها يتم عجن الطين وتطويعه على لولب خاص يقوم الخزاف أو الصانع بإدارته بواسطة القدمين، فيما يشكل العجين بيديه مستعيناً بالماء لتسهيل نحت الطين أو لتليينه، وتوضع مرة ثانية تحت أشعة الشمس لتجف، وتدخل إلى أفران بدرجة حرارة عالية بين 900 و1200 درجة، ليصل إلى المرحلة الأخيرة الخاصة بالزخرفة، وهي من تخصص «الزواق» الذي يتفنن في تزيينها وتجميلها بآيات قرآنية وأشكال قديمة تم تطويرها «التبرع والنشي وقاطع ومقطوع والراية والتقيوسات والمطيشة»، وكذا رسومات جديدة تستعمل بشكل لا يفقدها هويتها.
وهناك نوع آخر من الزخرفة أو التزيين يسمى «التزديج»، وهو طلاء تستخدم فيه ألوان يصنعها الخزفي بنفسه باستعمال بعض الأكاسيد التي يخلطها بأكسيد الرصاص الذي يثبت الألوان ويعطيها بريقاً، فأكسيد الحديد يعطي اللون البني، وأكسيد النحاس يعطي اللون الأخضر، وأكسيد الكوبالت يعطي اللون الأزرق، والمرور بالفرن يزيدها بريقاً وجمالاً، ونظراً، لأن صناعة الخزف شاقة وتتطلب الكثير من الصبر، فلا يعمل بها في الغالب إلا من يحبها، وهذا الشغف هو سبب تناقلها عبر الأجيال.
ورغم احتفاظها بالأصالة، استفادت صناعة الخزف في المغرب من كل ما هو جديد، خصوصاً على مستوى المواد المستعملة والأفران المتطورة، كما أدخلت زخارف جديدة مبتكرة، وتعتبر السوق الأوروبية أبرز زبائن المملكة، لكنها اصطدمت في السنوات الأخيرة بمنافسة الدول الآسيوية التي عرفت قفزة نوعية في هذا المجال، وكذا تونس التي استقطبت الكثير من الحرفيين المغاربة المهرة منذ سنوات الثمانينيات والتسعينيات، لكن الخزف المغربي رغم ذلك مازال محافظاً على مكانته كفن أصيل يزين ملايين المنازل حول العالم.