بدأت رحلة «نستله» من حكاية أحد الأطفال الرضع بسويسرا، الذي كان يرفض حليب أمه، فكانت تلك شرارة انطلاق أفكار جديدة ذات علاقة بالتغذية على يد «هنري نستله» الذي ولد في ألمانيا عام 1814م، وتخصص في علم الكيمياء قسم الصيدلة، لينتقل بعدها إلى سويسرا وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويعمل مساعداً في إحدى الصيدليات المحلية.
وعندما بلغ التاسعة والعشرين من العمر، وهو ما يزال يعمل على إعداد التقارير الطبية وبيعها، كان قد كسب قدراً جيداً من المال، أتاح له شراء مصنع صغير في منطقة Vevey بسويسرا، شرع من خلاله بتصنيع وبيع زيت البندق والجوز.
كان هنري آنذاك يشعر بحزن شديد جراء موت فئة من الرضع الذين يرفضون الرضاعة من أمهاتهم. لذلك، ولما سمع بمشكلة الطفل الذي يسكن على مقربة منه، والذي كان يعاني من سوء التغذية لرفضه حليب والدته، أخذ يفكر في طريقة لتحضير حليب أطفال يُصنّع من حليب الأبقار ودقيق القمح والسكر ليكون بديلاً لحليب الأم. بيد أن فكرته لم تحقق النجاح في البداية، ورفضها كثير من الناس ممن يعارضون فكرة إرضاع الصغار حليباً غير حليب الأم.
لكنه لم ييأس واستمر في محاولاته إلى تمكن من تجفيف حليب البقر ومزجه مع الدقيق، ليكون بمثابة حليب قدمه للطفل واستطاع بفضله إنقاذ حياته، فتهافتت عليه الطلبات تباعاً لشراء منتجه الجديد. ومن هنا ولدت فكرة شركة «نستله» التي أسسها هنري على شكل مأوى للطيور يرمز من خلاله إلى الأمومة، والحنان، والطبيعة، والتراث.
يجدر بالذكر أنه خلال الحرب العالمية الأولى سنة 1914م واجهت شركة نستله تحديات كبيرة تمثلت في عدم توفر مصادر الحليب والمواد الأولية، مما حدا بها إلى التوجه نحو أسواق لم تتأثر بالحرب بشكل كبير كما في الولايات المتحدة الأميركية. فأنشأت 40 مصنعاً فيها، واستطاعت تحقيق النجاح، رغم الظروف العالمية وقتها.
ولما انتهت الحرب العالمية الأولى عاد الكثيرون إلى شراء الحليب الطازج بدلاً من الحليب المجفف، وارتفعت أسعار المواد الأولية، مما وضع الشركة في أزمة حرجة جديدة. فاستعانت نستله على وجه السرعة بالخبير المصرفي لويس دابلز، الذي تمكن من إنقاذها من وضع صعب للغاية وتحسين إنتاجيتها، بعد أن كادت تعلن إفلاسها.
وفي عام 1929م قامت نستله بشراء شركتي كير وسويس جنرال اللتين كانتا تعنيان بمنتجات الشوكولا. ثم قام هنري بدمج شركته مع شركة سويس جنرال المملوكة لصديقه دانيال بيتر في وقت لاحق.
وبمرور الوقت، ازدادت مبيعات الشركة لتحقيق نجاحاً منقطع النظير كما توقع هنري بنفسه. حيث كانت أول شركة تُعنى ببيع غذاء للأطفال، وأول شركة تصنع حليباً بالشكولاتة، وأول شركة تبيع النسكافيه والقهوة المثلجة والحليب المركّز، وما إلى ذلك.
ومع تقادم السنين، استمرت نستله بالتوسع شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح لديها فروع في مختلف أنحاء الأرض، بحوالي ربع مليون موظف من 70 دولة مختلفة. ولم يكن النجاح الذي حققته بمحض الصدفة، بل بفضل الجهود الكبيرة والمشاريع المشتركة مع شركات عملاقة مثل كوكا كولا، إلى جانب الابتكار في صناعة المنتجات، والدافع المستمر نحو النمو والتنوع الذي أتاح لنسلته أن تصبح رائدة في مجال التغذية. حيث يشمل عملها اليوم المشروبات على اختلافها من ماء وحليب، إلى جانب الحلويات، وصولاً إلى منتجات العناية بالبشرة.
كل ذلك النجاح غير المسبوق الذي ما تزال تحظى به نستله حتى يومنا هذا، كان بفضل فكرة واحدة، ورغبة عارمة بمساعدة الآخرين، مع استخدام استراتيجيات التسويق الذكي، والاستعانة بالخبراء، ومحاولة حل المشكلات بسرعة وفعالية.
حلم شخص واحد أصبح واقعاً حيّاً حقق أقصى درجات النجاح، لأنه أتبعه بتصميم لا يلين، وعمل جاد لا يعرف التقاعس ولا التخاذل، وإرادة صلبة تتحدى العقبات. فمن أراد العلا سهر الليالي، ولكل مجتهد نصيب.