دار حوار مهم وقصير، في أحد مواسم حصاد تمور الأحساء في التسعينات، حيث تعيش البلاد زخم عيد النخلة، في أكبر واحة نخيل في العالم، مثلّت رمزاً حقيقياً للأحساء تحديداً، لتطابقها مع حضارتها الممتدة لأربع آلاف سنة، وهي تتصل بالعهد الفينيقي الذي صمم نظام السقاية الزراعية، حتى توقف في العهد السعودي، بعد ضعف المياه الجوفية وحفريات أرامكو، التي لم تعوّض الأحساء حتى اليوم، رغم أنها استنزفت نفطها في حقل الغوار وضربت نخلتها.
هذا الحوار كان بين أحد فلاحي الأحساء، مع الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الراحل، حيث جُلب للأمير من مزرعته الشاسعة، المقتطعة من الأرض الزراعية في ناحية الهفوف، أجود حصيلة ذلك الموسم، وقد أُعد إعداداً جيداً، وكان منهما صنفان الأول خلاص الأحساء المشهور والغني عن التعريف، والذي قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم، قصده في قوله إنه خير تمر الأحساء حين أثنى على أهلها وإيمانهم.
أما الثاني فهو نبوت سيف، وأصله بحسب الروايات الاجتماعية حيث المنشأ في هضبة نجد، هجين بين (طعامتين) بذر التمر، وله طعم حلو حاد، قد يُفضي إلى حرارة جوف، وبجانبه طبق من تمر الخلاص، بحلاوته المعتدلة، ومهما أكل منه الجائع، أو الشَبِع بكمية معقولة فلا تعافه النفس ولا يضيق به الجسد، وهذا معلوم بالتجربة والمفهوم، في ساحل الخليج العربي لدى البادية والحاضرة.
فالتفت الأمير إلى الفلاح الحاضر في المجلس، وكان المجلس مزدحماً بالشخصيات التي تُدعى حين يحضر الأمير في مزرعته، إضافة لوفده المرافق الضخم وسأله:
وش تقول يا بو محمد وشّو أزين خلاص الحسا ولاّ نبوت سيف نجد، (ما هو الأفضل ثمرة الخلاص أم نبوت سيف؟)، ابتسم الفلاح وتأمل ثم بادر بجواب مفحم:
يا الأمير ارفع السيف من النبتة أول!
ضحك الأمير وضحك المجلس، ولم يعد لسؤاله مطلقاً، فقد كان الجواب بياناً بليغاً في كلمتين.
لم تكن قضية الفلاح الأحسائي، أن الأمر في هذه المسألة مخيف، في أن يُعلن تفضيل خلاص الأحساء على نبوت سيف نجد، فقد كان هناك سعة في مثل هذه الحوارات الهامشية، خاصة أن الممازحة القديمة قائمة بين المجتمعين، فأسرة الحكم تنتمي لأهل نجد، وأهل الأحساء بادية وحاضرة ينتمون إلى طرف الساحل.
لكنه استغل السؤال ليعطيه دلالة أعمق، إنها النبتة والموقف الذي دونه السيف، فمن يُعبّر برأيه حراً أمام السيف المُصلت؟
تذكّرت هذه القصة وأنا أقرأ بيان واس الطويل والمرتبك، وتكرار مهزلة مطالب الدول الأربع، للرد على الملف القانوني لقطر، الذي بدأ يتصاعد اليوم، وإن كانت الدوحة تحركّه بهدوء، خلافاً لخطتها مع أبوظبي، ولا نستطيع أن نجزم بنهاية محددة مع الإمارات اليوم، وموقف الدولة في قطر، مما يمكن أن يطرأ من انقلاب خطاب وموقف، أعطى الشيخ محمد بن راشد المكتوم أول رسائله، ومن رد عليه؟
قائد شرطة دبي الأسبق نفسه، في إشارة لتحول الولاء المطلق، من إمارة دبي وأسرة المكتوم، إلى ديوان ولي عهد أبو ظبي، وهي حكاية طويلة لا يسعنا تفصيلها اليوم.
غير أن الموقف جسّد عندي تصوراً آخر، بين بيان واس وموقف الرياض التائه الحالي، الذي طلب تجديد الكويت لوساطتها، ولا يوجد أدنى شك في فهم المأزق المتعاظم الذي تعيشه الرياض، داخلياً وخارجياً، خاصة في حملتها الأمنية على التيار الديني والديمقراطي، وعلاقات الأسرة الحاكمة الداخلية.
فماذا لو سأل ولي العهد شيبة من أهل نجد بعد تأمينه:
وش السواة (ما لعمل) مع أهل قطر؟
في ظل تمكن الموقف القطري وتعززه، في مقابل تصدّع الملفات السعودية، التي قادتها لهزيمة مذلة أمام مشروع أبو ظبي في اليمن، فرضخت له، وأذعنت لقاعدة أبو ظبي في الحرب، فرد الشايب الحكيم بكلمتين تكفيان لمن يفهم:
أهل قطر وشيخهم على الشداد، لكنهم من كل خير قريب.بقلم: مهنا الحبيل
هذا الحوار كان بين أحد فلاحي الأحساء، مع الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الراحل، حيث جُلب للأمير من مزرعته الشاسعة، المقتطعة من الأرض الزراعية في ناحية الهفوف، أجود حصيلة ذلك الموسم، وقد أُعد إعداداً جيداً، وكان منهما صنفان الأول خلاص الأحساء المشهور والغني عن التعريف، والذي قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم، قصده في قوله إنه خير تمر الأحساء حين أثنى على أهلها وإيمانهم.
أما الثاني فهو نبوت سيف، وأصله بحسب الروايات الاجتماعية حيث المنشأ في هضبة نجد، هجين بين (طعامتين) بذر التمر، وله طعم حلو حاد، قد يُفضي إلى حرارة جوف، وبجانبه طبق من تمر الخلاص، بحلاوته المعتدلة، ومهما أكل منه الجائع، أو الشَبِع بكمية معقولة فلا تعافه النفس ولا يضيق به الجسد، وهذا معلوم بالتجربة والمفهوم، في ساحل الخليج العربي لدى البادية والحاضرة.
فالتفت الأمير إلى الفلاح الحاضر في المجلس، وكان المجلس مزدحماً بالشخصيات التي تُدعى حين يحضر الأمير في مزرعته، إضافة لوفده المرافق الضخم وسأله:
وش تقول يا بو محمد وشّو أزين خلاص الحسا ولاّ نبوت سيف نجد، (ما هو الأفضل ثمرة الخلاص أم نبوت سيف؟)، ابتسم الفلاح وتأمل ثم بادر بجواب مفحم:
يا الأمير ارفع السيف من النبتة أول!
ضحك الأمير وضحك المجلس، ولم يعد لسؤاله مطلقاً، فقد كان الجواب بياناً بليغاً في كلمتين.
لم تكن قضية الفلاح الأحسائي، أن الأمر في هذه المسألة مخيف، في أن يُعلن تفضيل خلاص الأحساء على نبوت سيف نجد، فقد كان هناك سعة في مثل هذه الحوارات الهامشية، خاصة أن الممازحة القديمة قائمة بين المجتمعين، فأسرة الحكم تنتمي لأهل نجد، وأهل الأحساء بادية وحاضرة ينتمون إلى طرف الساحل.
لكنه استغل السؤال ليعطيه دلالة أعمق، إنها النبتة والموقف الذي دونه السيف، فمن يُعبّر برأيه حراً أمام السيف المُصلت؟
تذكّرت هذه القصة وأنا أقرأ بيان واس الطويل والمرتبك، وتكرار مهزلة مطالب الدول الأربع، للرد على الملف القانوني لقطر، الذي بدأ يتصاعد اليوم، وإن كانت الدوحة تحركّه بهدوء، خلافاً لخطتها مع أبوظبي، ولا نستطيع أن نجزم بنهاية محددة مع الإمارات اليوم، وموقف الدولة في قطر، مما يمكن أن يطرأ من انقلاب خطاب وموقف، أعطى الشيخ محمد بن راشد المكتوم أول رسائله، ومن رد عليه؟
قائد شرطة دبي الأسبق نفسه، في إشارة لتحول الولاء المطلق، من إمارة دبي وأسرة المكتوم، إلى ديوان ولي عهد أبو ظبي، وهي حكاية طويلة لا يسعنا تفصيلها اليوم.
غير أن الموقف جسّد عندي تصوراً آخر، بين بيان واس وموقف الرياض التائه الحالي، الذي طلب تجديد الكويت لوساطتها، ولا يوجد أدنى شك في فهم المأزق المتعاظم الذي تعيشه الرياض، داخلياً وخارجياً، خاصة في حملتها الأمنية على التيار الديني والديمقراطي، وعلاقات الأسرة الحاكمة الداخلية.
فماذا لو سأل ولي العهد شيبة من أهل نجد بعد تأمينه:
وش السواة (ما لعمل) مع أهل قطر؟
في ظل تمكن الموقف القطري وتعززه، في مقابل تصدّع الملفات السعودية، التي قادتها لهزيمة مذلة أمام مشروع أبو ظبي في اليمن، فرضخت له، وأذعنت لقاعدة أبو ظبي في الحرب، فرد الشايب الحكيم بكلمتين تكفيان لمن يفهم:
أهل قطر وشيخهم على الشداد، لكنهم من كل خير قريب.بقلم: مهنا الحبيل