دخلَت التكنولوجيا الرقمية اليوم في تفاصيل حياتنا كلها، يتعامل معها الكبير والصغير، دون الحاجة إلى الالتحاق بكليات أو معاهد لدراسة الذكاء الاصطناعي والتطبيقات والبرمجيات، فطفل الحضانة يتصفح المواقع الموجهة له، والنشء والمراهقون لا تنقصهم مهارة استخدام الأجهزة الرقمية للوصول إلى مبتغاهم سواء كان ضارا أو نافعا.

وقد جاء بأحد التقارير أننا بتنا نعيش عصراً رقمياً بالمقاييس كافة؛ فمن اللحظة التي يفتح فيها الطفل عينيه، يستقبله والداه بالهاتف الذكي لالتقاط الصور له، وما أن يكبر قليلاً، حتى نراه جالساً لساعات حاملاً ذلك الهاتف الذكي، ومُنسجماً لدرجة لا يكترث لكل ما حوله.

والتكنولوجيا الرقمية ليست خيرا كلها وليست شرا كلها، الأمر يتوقف على هدف مستخدمها، فمن أرادها في الخير فهي طوع يديه ومن أرادها في الشر فهي أيضا طوع يديه، غير أن المواقع ذات المحتوى الضار تستهدف دون استئذان الأبناء وتتوجه إليهم من قوى الشر التي تعمل ضد القيم العربية والأخلاق الإسلامية وكل عناصر الهوية من عادات وتقاليد جميلة تربينا عليها ونشأنا نعتز بها.

ومن أجل تنشئة جيل مثقف تقنيا يتعامل بإيجابية مع الطوفان الرقمي نظمت العديد من الجهات عددا كبيرا من الفعاليات الصيفية لتمكن النشء والشباب من تطوير قدراتهم في التعامل مع أحدث التقنيات التي تمكن من تحفيز الإبداع، ولقد رأينا في الوطن استعراض الجهود التي بذلتها المؤسسات الوطنية لتوعية وتثقيف أبنائنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مكتبة قطر الوطنية فعالية «صيف الاستكشاف والتعلم والإبداع» تتيح للمبدعين في مجال الموسيقى الاستفادة من إمكانات استوديو الموسيقى وما يحتويه من آلات تقنية حديثة لتسجيل الموسيقى والصوت وفق أحدث النظم الفنية، فضلا عن مسابقة «تحدي الفيديو: قراءات وتأملات» لتحفيز الشباب والنشء على حب القراءة والاطلاع والتأمل، بأن يختار المشارك كتابا يقرأه فيستوعبه جيدا، والمطلوب من كل واحد إنتاج فيديو إبداعي وجذاب يحكي فيه حول الفائدة التي عادت عليه من الكتاب وكيف ساعده في التخطيط لحياته مستقبلا.

وتتيح المكتبة للأطفال من 12 إلى اليافعين من عمر 18 سنة عشرات المصادر الإلكترونية وحوالي 35 ألف كتاب مطبوع في شتى المعارف العلمية والأدبية والروائية.

كما تضمن النشاط الصيفي فعالية «تحدي القراءة الصيفي» السنوي بالتعاون مع منصة «كتبي» للقراءة التفاعلية من أجل تشجيع الأطفال على القراءة والفهم وتحسين مهاراتهم اللغوية بالتمكن من قواعد النحو والإملاء ونقد المضمون الثقافي نقدا سليما مبنيا على القواعد العلمية.

وفي كتارا يُلاحظ الإقبال كبير على المخيم الصيفي من الأطفال، الذين يشاركون بفعالية في الأنشطة التعليمية والترفيهية والثقافية، بهدف تنمية المهارات وتعزيز القدرات الإبداعية والاجتماعية عبر محاضرات توعوية، وتضمن البرنامج محاضرات توعوية، وتوفير بيئة آمنة ومحفزة للأطفال خلال فترة العطلة الصيفية.

واشتملت الأنشطة على زيارة الأطفال لقبة الثريا الفلكية، حيث تعرفوا على معلومات عن الفلك والفضاء، ومشاهدة أفلام ثلاثية الأبعاد أثارت فضولهم لمعرفة المزيد عن أسرار الكون، كما نالت فقرة العرضة القطرية إعجاب الأطفال، أيضا كانت هناك زيارة لإذاعة صوت الخليج، حيث تعرف الأطفال على استديو البث وتجربة التسجيل الإذاعي وتقديم البرامج، مما شكل تجربة مشوقة ومميزة بالنسبة لهم.

واستقطبت الورش الفنية الأطفال، واستمتعوا خلالها بهواية الرسم والتلوين، وصناعة الفراشات، وفن وصناعة الزهور، وصناعة الورق وطوابع البريد والأوريجامي والورق المعجن وغيرها من الورش التي توزعت على امتداد كورنيش كتارا.

وكعادة كتارا قدّمت خلال هذا الصيف عددا من المسرحيات، على سبيل المثال، «بستان الأحلام» التي حظيت باهتمام الجمهور الذي تفاعل معها والتي تسلط الضوء على المحافظة على الموارد المائية، والجمال الكامن في أعماق الإنسان والطبيعة الكونية.

وقدّمت الفرق الفنية الشعبية عروضا مميزة تعكس التراث الفني والثقافي لدول من آسيا وإفريقيا، كالصين وسوريا والمغرب والأردن في كورنيش كتارا، كما قدم فنانون تشكيليون رسوما مباشرة أمام الجمهور.

أيضا تألقت في صيف هذا العام وزارة الشباب والرياضة من خلال 32 مركزا وهيئة شبابية موزعة على مناطق الدولة لتنظيم فعاليات تثقيفية، وصل عددها إلى 450 فعالية متنوعة، بينها العديد من الندوات والمحاضرات لتوعية الأطفال من سن 7 إلى 18 سنة بأهمية المسؤولية المجتمعية، كي ينشأ الواحد منهم محبا لمجتمعه وعمل الخير، أيضا هناك فعاليات للتدريب على الأجهزة الالكترونية والتقنية، فضلا عن ورش ومحاضرات حول أهمية البيئة والمحافظة عليها، وتخللت فعاليات المراكز أنشطة ترفيهية منوعة تناسب كل الأعمار، ويشرف على هذه الفعاليات وتنفيذها الشباب الأعضاء في هذه المراكز والهيئات.

وهكذا فإن الدولة أدت ما عليها من خلال مؤسسات عدة لكن يبقى دور الأسرة هو الآخر على درجة كبيرة من الأهمية، وهناك من الغيورين على القيم والأخلاق من يتصدى لهذه المخاطر والتهديدات بتقديم النصائح والإرشادات لأولياء الأمور لمراقبة أبنائهم والمحتوى الذي يتصفحونه، إذ من المنطقي لن نستطيع منع الأبناء عن استخدام التقنية الرقمية ولكن بالقطع نستطيع أن نراقبهم ونوعيهم ونوجههم إلى ما فيه الخير لهم وللوطن، فالمفكر الكويتي الدكتور جاسم المطوع أحد المهتمين بتحقيق السعادة الأسرية والأمن الاجتماعي وبحماية الأبناء من الطوفان الرقمي الضار، انبرى كثيرا يرشد وينصح، وله تغريدة مطولة على منصة إكس يقدم من خلالها خمس مهارات لأولياء الأمور لإنقاذ الأبناء من الطوفان الرقمي الضار، فكتب يقول: أغلب الآباء والأمهات يشتكون من تعلق أبنائهم بالهواتف وصار الجيل الرقمي اليوم يتفاعل مع الحياة الرقمية أكثر من تفاعله مع الحياة الواقعية والحقيقية، وكثير من الآباء والأمهات يقفون أمام هذا الطوفان الرقمي مكتوفي الأيدي ولا يعرفون ماذا يفعلون، فأحببت أن أكتب خمس مهارات مهمة لابد أن يركز الآباء والأمهات عليها أثناء تربيتهم لأبنائهم حتى لا يجرفهم الطوفان الرقمي.

ومن بين التغريدات التي علقت أو عقبت على إرشادات الدكتور جاسم تغريدة موقعة باسم Pink panther

قال فيها: «نبي ننقذ نفسنا بالأول أحس عقلي صار كوكتيل مما حولي» تفيد هذه التغريدة أن بعضا من الكبار أو أولياء الأمور هم أنفسهم في حاجة إلى تعلم هذه المهارات التي ساقها الدكتور، إذ أن كثيرا منهم وقع أسيرا للمحتوى الرقمي الضار، ومضمون هذه التغريدة لا تخلو من واقعية، إذ أن قبل غزو التكنولوجيا لعالمنا كانت مخاوفنا على أطفالنا تقتصر على أمور بسيطة يشترك بها معظم الأهالي مثل أصدقاء السوء وتأثير الفضائيات والكيبل فيجن، إلّا أنَّ الأمور لا تبقى على حالها ووتيرة التطور في العالم سريعة في تقدّم مستمر، فبعد انتشار شبكة الإنترنت لم يعد يخلو بيت منها استخدامه، ولا يوجد شخص كبير أو صغير إلّا ومعه الهاتف الذكي المتصل بالإنترنت، وهكذا أصبح عالمنا أكثر تتجاذبه منافع وأضرار الإنترنت وانعكس ذلك على أفكارنا وقِيَمِنا وتصرّفاتنا.

وتغريدة أبو أمير أيمن المرزوقي ليست بعيدة عما جاء في الغريدة السابقة من أن أولياء الأمور يجب أن يبادرا بأنفسهم أولا، بحيث يكون الأب أو الأم قدة صالحة للأبناء في استخدام الإنترنت فيما هو في الصالح، فالكثير من المواقع بها معلومات مفيدة تساعد في التحصيل العلمي وقضاء المصالح وأفكار لمشاريع تجارية تدر دخلا إضافيا، فقد كتب فهد قائلا: «جزاك الله خيرا يا دكتور، ويضاف إلى هذه العوامل عامل مهم وهو أن يرى الطفل هذه الأمور واقعا مشاهدا في حياة أسرته» أي أن ينشأ الطفل في بيئة صحية، وأول ما يفتح عينيه يرى أن التقنية الرقمية فاتحة خير، في هذه الحالة ستكون المواقع الضارة بعيدة عن تفكيره.

أما حميد بن حيبش فقد أشار في تغريدته إلى موضوع غاية في الأهمية ويجب أن يضعه أولياء الأمور في صدارة الأولويات يتعلق بأضرار الرقمنة ليس على القيم والأخلاق والسجايا الحميدة فحسب بل على أعضاء الجسم الحيوية وما تسببه من أمراض عضوية، وقد ذكر معلومة مفيدة عن كتاب تناول الأمراض الجسدية والأضرار المعنوية تمت مناقشته في مجلس اللوردات البريطاني، فكتب يقول: «كتاب 'تغير العقل»لسوزان غربنفيلد هو تقرير تم تقديمه لمجلس اللوردات البريطاني حول تأثير الرقمنة على وظائف الدماغ. السوشيال ميديا تؤثر على الهوية والعلاقات الاجتماعية. والألعاب الإلكترونية تسبب الإدمان وزيادة العنف، بينما محركات البحث تزيد من تشتت الانتباه. الأمر حقا جلل!» وهناك دراسات عديدة أفادت أن من يجلسون طويلا أمام مواقع النت يضطرون إلى ارتداء نظارات طبية نظرا لضعف النظر لديهم جراء تأثر القرنية. الكثير من التغريدات أثنت على ما قدمه الدكتور المطوع من إرشادات وهناك بعض الاقتراحات غير قابلة للتنفيذ إلا في حدود ضيقة جدا مثل تغريدة موقعة باسم ahaa يقترح فصل المودم باعتباره أفضل حل، وهذا بالطبع غير قابل للتطبيق.