روى «اليافعيُّ» في «مرآة الجِنان»، أنه لما ماتَ الوليدُ بن عبد الملك، وتولَّى الخلافة أخوه سليمان، عزلَ يزيد بن أبي مسلم، واستحضره بين يديه، فرآه دميم الوجه، كبير البطن، فقالَ له: لعنَ اللهُ من أشرككَ في أمره!فقالَ له يزيد: يا أمير المؤمنين لا تَقُلْ هذا، فإنكَ رأيتني والأمور مدبرة عني، ولو رأيتني وهي مُقبلة عليَّ، لاستعظمتَ ما استصغرتَ، ولاستجللتَ ما احتقرتَ!فقالَ له سُليمان: قاتلكَ الله، ما أشد عقلكَ، وما أعذب لسانكَ!ثم قالَ له: يا يزيد، أترى صاحبكَ الحجاج يهوي بعد في النار، أم استقرَّ في قعرها!فقالَ له: لا تَقُلْ هذا يا أمير المؤمنين، إنَّ الحجاج عادى عدوّكم، ووالى وليكم، وبذلَ مُهجته لكم، فهو يوم القيامة عن يمينِ أبيك، ويسارِ أخيك، فاجعله حيث أحببتَ!فقالَ له: قاتلكَ الله، ما أوفاكَ لصاحبكَ!ثم إنَّ سُليمان كشفَ عنه، فلم يجدْ له خيانة في درهمٍ ولا في دينار، فأرادَ أن يستعمله مُجدداً!فقالَ له عُمر بن عبد العزيز: أُعيذُكَ بالله أن تستخدمه فتُحيي ذِكر الحجاج، فقد كانَ من خواصِ رجاله!فقالَ له سُليمان: ولكنه لم يَخُنْ في درهمٍ ولا في دينار!فقالَ له عُمر: وكذلكَ إبليس لم يخُنْ في درهمٍ ولا في دينار، ولكنَّه أهلكَ الناس! على عِظَمِ جُرمِ الاختلاسِ من المالِ العامِ لمن يتولَّى أمر الناسِ فهو برأيي أخف الجرائم التي تُرتكب!لأنَّ القضية باختصار: رجلٌ لصٌ أرادَ الثراءَ لنفسِهِ على حسابِ الناس، فلا هدمَ لهم دِيناً، ولا ثلمَ لهم عقيدةً، ولا أفسدَ عليهم فطرةً، وأقل الضرر ما كانَ في خسارةِ المال!أمَّا الآفة الكبرى، وأم المصائب، ومقتل الأُمم فهو في سلبها روحها، وهويتها، في قلبِ الحقِ باطلاً لها، وفي تزيينِ المُنكرِ في أعيُنِها، فيخرجُ لنا جيلٌ من بعد لا يستقيم إلا بشقِّ الأنفس، ولا يعود إلى جادةِ الصوابِ إلا بألمٍ كنزعِ الرُّوح!ثمة جرائم أفدح من السرقة، إنَّها إعمال معول الهدمِ في العقيدة، وزعزعة الثوابت، وبث الشبهات، ومُهاجمة الصالحين على طريقةِ فرعون «إني أخاف أن يُبدل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد»!كُلُّ البلادِ التي قامتْ فيها ثورات كانَ بعدها بناء الأوطان، لم يتم فيها تنحية الظالم، وإنما أعوانه أيضاً، أولئك السحرة الذين طالما بَهروا أعيُنَ الناسِ له، تلك الطُبول التي كانتْ تُسبِّحُ بحمدِه، وتتسابقُ في إذلالِ الناسِ إرضاءً له!إبليسُ ليسَ له ثروة نهبها من المالِ العام، ولا يأخذ الرَّشى، ولكنه يُفسدُ في الأرض، يُفسدُ فقط!
آراء و قضايا
أُعيذُكَ أن تُحيي ذِكره!
أدهم شرقاوي
Aug 09, 2022
شارك