+ A
A -
يُجمع ملاحظون على أن نتائج الانتخابات التونسية كانت نتائج مفاجئة للجميع ووصفت بكونها زلزالا سياسيا. إن نجاح المرشح المستقل قيس سعيّد في المرور إلى الدور الثاني وكذا مرشح الدولة العميقة نبيل القروي لم يكن متوقعا بهذه الصورة لكنّ المتمعن في المشهد التونسي يلحظ أن المنطق لم يكن مصاحبا للتغيرات السياسية التونسية منذ هروب بن علي الذي كان مفاجأة المفاجآت أو ما تبعه من التغيرات التي عرفتها الساحة التونسية أو العربية.
إن ما مثّل صدمة لعموم المتابعين للشأن التونسي إنما هو في الحقيقة إعلانٌ عن نهاية منطق سياسي قديم وبداية منطق جديد، لأنه الوحيد الذي يفسر قدرة طرفين متناقضين على المرور إلى الدور الثاني وسقوط كل الأحزاب والتكوينات السياسية التقليدية. قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري لم يعتمد في حملته الانتخابية على آلة إعلامية ولا على ميزانية ضخمة بل اعتمد على رصيده غير السياسي لدى الناخب التونسي. إنّ خاصية غياب الانتماء الحزبي الايديولوجي ساهمت بشكل كبير في نجاح هذا المرشح، مستفيدا من النفور الشديد الذي أبداه الشارع التونسي من السياسة والسياسيين.
أما الطرف النقيض الثاني فهو رجل الأعمال المشهور بالفساد والتحايل والتهرب الضريبي وصاحب قناة نسمة المشبوهة. فكيف يمكن لشخصية بهذا الفساد أن تمرّ إلى الدور الثاني وتتجاوز الأحزاب التقليدية والأحزاب الثورية بما فيها مرشح الحزب الإسلامي؟ نجح هذا المرشح في تفعيل آليات الوهم واستغلال فقر المناطق المحرومة بأن جعل منهم عبر قناته وجمعياته الخيرية خزانا انتخابيا حاسما. لقد نجح الرجل في المناطق التي غابت فيها الدولة وغمرها الفقر والاحتقار والتهميش، وهو الأمر الذي لم يستوعبه غيره من المترشحين.
أنهت الانتخابات إذن أوهام الزعامة والنرجسية وحطمت صورة البطل المناضل كما كشفت تشرذم النخب التونسية وتغليبها المصلحة الشخصية على المصلحة الجماعية. كما رفضت شخصيات كثيرة محسوبة على نفس التيار التنازل لصالح مرشح واحد بشكل يمنع تشتت الأصوات ويخلق جبهة ثورية قادرة على مواجهة الدولة العميقة وأذرعها الصلبة.
لا شك اليوم في أن الانتخابات التونسية تمثّل درسا جديدا في قدرة الوعي الجمعي الشعبي على تجاوز أطروحات نخبه السياسية وتصحيح المسارات الخاطئة التي قد تنتهجها هذه النخب. لكن الأهم من كل ذلك هي تجربة الانتخابات في حدّ ذاتها بما هي إفراز لمسار ثوري يحاول تأسيس تجربة ديمقراطية عربية بأدوات محلية. هذا المكسب هو في نظرنا أعظم مكاسب الثورة التونسية التي بدأت في ترسيخ تقاليدها الديمقراطية التي ستمهد الطريق نحو إرساء أول النماذج المتحررة من قيود الاستبداد في المنطقة.بقلم: محمد هنيد
إن ما مثّل صدمة لعموم المتابعين للشأن التونسي إنما هو في الحقيقة إعلانٌ عن نهاية منطق سياسي قديم وبداية منطق جديد، لأنه الوحيد الذي يفسر قدرة طرفين متناقضين على المرور إلى الدور الثاني وسقوط كل الأحزاب والتكوينات السياسية التقليدية. قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري لم يعتمد في حملته الانتخابية على آلة إعلامية ولا على ميزانية ضخمة بل اعتمد على رصيده غير السياسي لدى الناخب التونسي. إنّ خاصية غياب الانتماء الحزبي الايديولوجي ساهمت بشكل كبير في نجاح هذا المرشح، مستفيدا من النفور الشديد الذي أبداه الشارع التونسي من السياسة والسياسيين.
أما الطرف النقيض الثاني فهو رجل الأعمال المشهور بالفساد والتحايل والتهرب الضريبي وصاحب قناة نسمة المشبوهة. فكيف يمكن لشخصية بهذا الفساد أن تمرّ إلى الدور الثاني وتتجاوز الأحزاب التقليدية والأحزاب الثورية بما فيها مرشح الحزب الإسلامي؟ نجح هذا المرشح في تفعيل آليات الوهم واستغلال فقر المناطق المحرومة بأن جعل منهم عبر قناته وجمعياته الخيرية خزانا انتخابيا حاسما. لقد نجح الرجل في المناطق التي غابت فيها الدولة وغمرها الفقر والاحتقار والتهميش، وهو الأمر الذي لم يستوعبه غيره من المترشحين.
أنهت الانتخابات إذن أوهام الزعامة والنرجسية وحطمت صورة البطل المناضل كما كشفت تشرذم النخب التونسية وتغليبها المصلحة الشخصية على المصلحة الجماعية. كما رفضت شخصيات كثيرة محسوبة على نفس التيار التنازل لصالح مرشح واحد بشكل يمنع تشتت الأصوات ويخلق جبهة ثورية قادرة على مواجهة الدولة العميقة وأذرعها الصلبة.
لا شك اليوم في أن الانتخابات التونسية تمثّل درسا جديدا في قدرة الوعي الجمعي الشعبي على تجاوز أطروحات نخبه السياسية وتصحيح المسارات الخاطئة التي قد تنتهجها هذه النخب. لكن الأهم من كل ذلك هي تجربة الانتخابات في حدّ ذاتها بما هي إفراز لمسار ثوري يحاول تأسيس تجربة ديمقراطية عربية بأدوات محلية. هذا المكسب هو في نظرنا أعظم مكاسب الثورة التونسية التي بدأت في ترسيخ تقاليدها الديمقراطية التي ستمهد الطريق نحو إرساء أول النماذج المتحررة من قيود الاستبداد في المنطقة.بقلم: محمد هنيد