+ A
A -

كثيرة هي الأشياء التي تغادرنا خلال مسيرة حياتنا، فلا مال يدوم، ولا نجاح يظل متربعاً على القمة حتى آخر الدهر، ولا سعادة تبقى حاضرة دائماً ولا حتى تعاسة، ولا طفولة يمكننا القبض عليها بإحكام دون أن تنسل من بين أصابعنا كما حفنة ماء لا بد أن تجفّ أو تتسرب من بين أصغر الشقوق، فكلّ شيء حولنا ماضٍ ليحزم حقائبه يوماً ويرحل عن وجودنا دون رجعة، فاسحاً المجال لما هو آتٍ بعده، والذي سيرحل عنا بدوره في الوقت المقدَّر له.

هذا يعني أننا محاطون بأشياء زائلة من كل حدب وصوب، إلا شيئاً واحداً يظل برفقتنا من أول يوم نخرج فيه إلى العالم وحتى لحظة مفارقتنا هذه الدنيا، ألا وهو النفس. إن نفسك ستستمر معك منذ ولادتك ولغاية الرمق الأخير، كالظل الذي يلاحق الأشياء في وضح النهار، والهواء الذي نتنفسه كل يوم بلا توقف.

إن عمرك سينقضي، وكل ما تملكه إلى زوال، وحتى جسدك الشاب سيشيخ مع تقادم السنين ويفقد ولو جزءاً من قوته مهما حاولت العناية به، أما نفسك فيمكن أن تظل فتيّة على امتداد حياتك برمتها دون أن يغزوها الهرم إنشاً واحداً، بشرط ألا تحملها ما لا تطيق.

إن الحياة ومشاغلها تفرض على كل واحد فينا الكثير من الصعوبات والتحديات، وتضع في وجهنا بين الحين والآخر حجار عثرة وعراقيل على طول الطريق. البعض يتحدى العقبات ويمضي في دربه بروح المحارب الذي لا يعرف استسلاماً، فيحقق الفوز والنجاح الذي يطمح إليه، إلى جانب الظفر بالسعادة والحياة الرغيدة، فيبقى شابّاً من الداخل طيلة عمره. وآخرون يرفعون الرايات البيضاء قبل أن يبدؤوا مشوارهم أو وهم في منتصف الطريق المؤدي إلى حيث يطمحون، ليقضوا ما تبقى من أعمارهم في دوامة الشكوى وحلقة الفشل المفرغة، لا يفعلون شيئاً سوى تحميل أنفسهم ما لا طاقة لها به.

إن الناجح الحقيقي هو من يعمل فيما يحب، ويفعل الأشياء التي تشده وتستهويه، ويصل بجهده وعرق جبينه إلى اليوم الذي يحيا فيه كما يرغب. في حين أن الفاشل يعمل غالباً في وظيفة مملة لا تستهويه، ويفعل عكس ما يريده حقّاً، كأن حياته ليست سوى انعكاساً لكل ما لا تطيقه نفسه؛ لذلك تراه معظم الوقت غاضباً، حانقاً، متذمراً، غير سعيد.

ومن الناس من يجامل على حساب نفسه، ويحاول إرضاء الآخرين على حساب سعادته ووقته، ويضطر للعمل في وظائف لا تناسبه، كل ذلك بسبب كسله وتقاعسه عن تطوير ذاته حتى يحظى بفرص أفضل. إنه يظن التكاسل والاسترخاء سعادة وراحة، لكنه يكتشف في وقت متأخر أن تلك الساعات التي قضاها في محاولة نيل استحسان الغير، وفي عدم فعل شيء ذي قيمة بدلاً من العمل والتعلم كانت وبالاً عليه، ولم تمنحه سوى شعوراً زائفاً ومؤقتاً بالسعادة، بل كثيراً ما كانت تحرمه من لذة السعادة الحقيقية.

عاهد نفسك منذ اليوم ألا تحاول إرضاء أحد سوى نفسك، وألا تتقاعس عن بذل الجهد اللازم لتحقيق النجاح، وأن تعمل بجدّ وتتعلم كل يوم حتى ترتقي بذاتك وتحسن حياتك، وتحظى بخيارات أكثر للعيش كما تريد وتحب لا عكس ذلك مرغماً.

copy short url   نسخ
12/08/2024
45