+ A
A -
محسن محمد صالح كاتب وباحث

لا شك أن خسارة حماس باستشهاد قائدها ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية كانت كبيرة وبالغة. وقد جمع هنية من الصفات والمواصفات الإيمانية والتربوية والسلوكية والقيادية والتنظيمية، والإمكانات السياسية والتوعوية والخطابية، ما يجعله في صدارة الصف القيادي، ليس على مستوى حركته فقط، وإنما على مستوى الشعب الفلسطيني والأمة.

ونقف في هذا المقال ثماني وقفات بين يدي استشهاده رحمه الله:

الأولى: أن هنية رحمه الله تمتع بشخصية قوية الإيمان، عميقة الثقة بالمشروع الإسلامي لفلسطين، مع قدرة متميزة على تقديمه بأسلوب وحدوي حضاري معتدل وبروح متناغمة منسجمة مع الأبعاد الوطنية والإنسانية لقضية فلسطين.

والثانية: طبيعته الشخصية المرنة المنفتحة، المريحة والسهلة في التعامل، وتواضعه الطبيعي غير المتكلف، وحسن إنصاته للمتحدثين، وابتسامته التي لا تفارقه.

والثالثة: أن طريقته في القيادة مالت إلى الطريقة «الأبوية» التي تستوعب الجميع، وتتجنب إغضاب أحد، مع التجاوز عن الزلات، وتحمّل النقد بصدر رحب.

والرابعة: أن هنية سعى إلى إنجاز وحدة وطنية حقيقية، وإلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإلى تذليل المعوقات والعقبات التي تعترضه، فأسهم بفعالية في اتفاق مكة سنة 2007، وترأس حكومة الوحدة الوطنية التي نتجت عنه. وكان له دوره في اتفاق المصالحة في القاهرة 2011؛ وقام بالتنازل عن رئاسة الوزراء في اتفاق الشاطئ سنة 2014 لتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها غيره. ومن أجل تفعيل المصالحة قدّمت حماس تحت قيادته في صيف 2020 ومطلع 2021 المزيد من التنازلات.

والخامسة: أن شخصية هنية لقيت قبولا كبيرا لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ورموزه، وخلال السنوات الماضية تصدّر الكثير من استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة للفوز في انتخابات الرئاسة الفلسطينية في مقابل محمود عباس.

السادسة: أن شخصيته لقيت قبولا واسعا عربيا وإسلاميا وعالميا.

والسابعة: أن هنية قاد باقتدار حركة حماس طوال معركة طوفان الأقصى، وأدار علاقاتها السياسية ومعاركها التفاوضية، بكفاءة عكست مكانة الحركة وقوتها وقدرتها على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وقيادة المقاومة ومشروع التحرير. ووفر هنية الغطاء اللازم للأداء العسكري، وجمع بين صلابة المحافظة على المبادئ والثوابت، والتعبير عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وبين مرونة التعامل مع الجوانب التكتيكية وفقه المصلحة، بما يوقف العدوان على غزة، ويضمن انسحاب العدو، ويُحقّق صفقة مُشرّفة لتبادل الأسرى، ويفتح المجال لفك الحصار عن القطاع وإعادة الإعمار؛ وكان على تنسيقٍ وتفاهم وتواصل دائمٍ مع إخوانه الذين يقودون العمل الميداني العسكري والمدني في القطاع، وعلى رأسهم رفيق دربه يحيى السنوار.

والثامنة: أن هنية حفر مكانته في قلب وعقل الشعب الفلسطيني.

وأخيرا، فقد كانت خسارة حماس وفلسطين والأمة كبيرة بالفعل بفقد هنية، غير أن استشهاده سيكون دافعا للمزيد من العمل والتضحية والعطاء على طريق التحرير.

copy short url   نسخ
13/08/2024
10