+ A
A -
أسدل الستار مؤخرا على الانتخابات التشريعية التونسية التي ستصوغ الحياة البرلمانية في تونس خلال السنوات الخمس القادمة. المشهد لم يتغير كثيرا في العمق؛ لأنّ المكونات المركزية التي صاغت المرحلة السابقة برلمانا وحكومة ورئاسة هي نفسها تقريبا.. إذن ما الذي تغيّر ؟
أول المتغيرات وأهمها إنما يتمثل في تراجع الحركة الإسلامية، لا في عدد المقاعد البرلمانية أو في خسارتها الانتخابات الرئاسية فقط، بل في تآكل قاعدتها الشعبية، وخاصة قاعدة المتعاطفين مع حركة النهضة الإسلامية ممن كانوا يمثلون الخزان الانتخابي الحقيقي للتيار المحافظ عامة. ترى قواعد الحركة وعدد كبير من قيادات الصف الثاني والثالث أنّ خسارة الانتخابات الرئاسية وتراجع الانتخابات التشريعية هما علامة فارقة في تاريخ الحركة ومؤشر هام لا بد من أخذه في عين الاعتبار؛ لأنه سيكون له ما بعده.
تمثل المتغير الثاني في صعود الأحزاب الثورية الجديدة التي وُلدت بعد الثورة ولم تكن جزءا من معارضة بن علي، وهو ما يعدّ مؤشرا على تراجع المعارضة الكلاسيكية التي لم تكن قادرة خلال الفترة الماضية من عمر الثورة على تجديد خطابها أو تنفيذ جزء من وعودها. تبخر حزب الجبهة الشعبية اليساري وتبخر حزب المرزوقي واختفى حزب آفاق واختفى حزب نداء تونس، وهو ما يعني نهاية مرحلة وبداية أخرى. تأسست هذه الأحزاب على عجل وصيغَت حول فكرة الزعيم والقائد الملهم واخترقتها قوى الثورة المضادة وما لبثت أن خبت وتبخرت دون أن يحاسبها أحد.
ثالث المتغيرات يتمثل في الصعود السريع لمكوّن جديد من مكونات الثورة المضادة، حيث أحدث حزب قلب تونس اختراقا كبيرا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة رغم وجود رئيسه في السجن بسبب قضايا التهرب الضريبي. هذا الحزب الجديد الذي تأسس على ذراع إعلامية مجسدة في قناة نسمة وعلى قدرته في استثمار معاناة المناطق الفقيرة والمهمشة يمثل في الحقيقة الوجه الجديد لحزب نداء تونس باعتباره مكوّنا نائبا عن قوى النظام القديم. بناء على ما تقدم لن تكون المرحلة المقبلة من الحياة السياسية التونسية مرحلة سهلة خاصة إذا لم تنجح الكتل البرلمانية في تكوين حكومة توافقية قادرة على تحقيق قدر من الاستقرار السياسي. كما أنها لن تكون في ظل الانقسام الحالي قادرة على التعامل مع الملفات الحارقة التي لم تعد تنتظر وقد تهدد السلم الاجتماعي على المدى البعيد.
لكن رغم كل المخاطر تمثل التجربة التونسية تجربة عربية رائدة في مجال ترسيخ الديمقراطية الوليدة وليست المخاطر التي تهدد التجربة إلا معابر ضرورية قادرة على وضع الأسس النهائية لأولى الديمقراطيات العربية.بقلم: محمد هنيد
أول المتغيرات وأهمها إنما يتمثل في تراجع الحركة الإسلامية، لا في عدد المقاعد البرلمانية أو في خسارتها الانتخابات الرئاسية فقط، بل في تآكل قاعدتها الشعبية، وخاصة قاعدة المتعاطفين مع حركة النهضة الإسلامية ممن كانوا يمثلون الخزان الانتخابي الحقيقي للتيار المحافظ عامة. ترى قواعد الحركة وعدد كبير من قيادات الصف الثاني والثالث أنّ خسارة الانتخابات الرئاسية وتراجع الانتخابات التشريعية هما علامة فارقة في تاريخ الحركة ومؤشر هام لا بد من أخذه في عين الاعتبار؛ لأنه سيكون له ما بعده.
تمثل المتغير الثاني في صعود الأحزاب الثورية الجديدة التي وُلدت بعد الثورة ولم تكن جزءا من معارضة بن علي، وهو ما يعدّ مؤشرا على تراجع المعارضة الكلاسيكية التي لم تكن قادرة خلال الفترة الماضية من عمر الثورة على تجديد خطابها أو تنفيذ جزء من وعودها. تبخر حزب الجبهة الشعبية اليساري وتبخر حزب المرزوقي واختفى حزب آفاق واختفى حزب نداء تونس، وهو ما يعني نهاية مرحلة وبداية أخرى. تأسست هذه الأحزاب على عجل وصيغَت حول فكرة الزعيم والقائد الملهم واخترقتها قوى الثورة المضادة وما لبثت أن خبت وتبخرت دون أن يحاسبها أحد.
ثالث المتغيرات يتمثل في الصعود السريع لمكوّن جديد من مكونات الثورة المضادة، حيث أحدث حزب قلب تونس اختراقا كبيرا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة رغم وجود رئيسه في السجن بسبب قضايا التهرب الضريبي. هذا الحزب الجديد الذي تأسس على ذراع إعلامية مجسدة في قناة نسمة وعلى قدرته في استثمار معاناة المناطق الفقيرة والمهمشة يمثل في الحقيقة الوجه الجديد لحزب نداء تونس باعتباره مكوّنا نائبا عن قوى النظام القديم. بناء على ما تقدم لن تكون المرحلة المقبلة من الحياة السياسية التونسية مرحلة سهلة خاصة إذا لم تنجح الكتل البرلمانية في تكوين حكومة توافقية قادرة على تحقيق قدر من الاستقرار السياسي. كما أنها لن تكون في ظل الانقسام الحالي قادرة على التعامل مع الملفات الحارقة التي لم تعد تنتظر وقد تهدد السلم الاجتماعي على المدى البعيد.
لكن رغم كل المخاطر تمثل التجربة التونسية تجربة عربية رائدة في مجال ترسيخ الديمقراطية الوليدة وليست المخاطر التي تهدد التجربة إلا معابر ضرورية قادرة على وضع الأسس النهائية لأولى الديمقراطيات العربية.بقلم: محمد هنيد