+ A
A -
في أغلب الأحيان، تشكل الدول المنحدرة خطورة أكبر من الدول الصاعدة، وكان فلاديمير بوتين مناوراً بارعاً، يسعى إلى «جعل روسيا عظيمة مرة أخرى» من خلال التدخل العسكري في دول مجاورة وفي سوريا، وباستخدام حرب المعلومات السيبرانية لإحباط الديمقراطيات الغربية، ولكن بنجاح جزئي فقط. وقد وجدت دراسة للبث الإذاعي الروسي في أوكرانيا أنه لم يكن فعّالاً إلا مع الأقلية ذات التوجهات الروسية مسبقاً، لولا أنه تمكن من إنتاج تأثيرات استقطابية وهدامة في النظام السياسي، ولم يفعل إحياء حرب المعلومات على غرار الحرب الباردة شيئاً يُذكَر لخلق قوة ناعمة لروسيا.
ويضع مؤشر القوة الناعمة 30، ومقره لندن، روسيا في المرتبة السادسة والعشرين؛ فقد حققت روسيا بعض النجاح في زرع الحلفاء في أوروبا الشرقية، لكنها ليست جزءاً من محور استبدادي قوي كذلك الذي كان قائماً في ثلاثينيات القرن العشرين.
الصين مختلفة؛ فقد أعلنت عن استعدادها لإنفاق المليارات لزيادة قوتها الناعمة، وفي اجتماعات دافوس في العام 2017 وهاينان في العام 2018، قدم شي جين بينغ الصين بوصفها قوة مدافعة عن النظام الدولي القائم، شريطة أن يحمل خصائص صينية وليس ليبرالية، ولا تريد الصين قلب النظام الدولي الحالي، بل إعادة تشكيله على نحو يعمل على زيادة مكاسبها.
وتملك الصين الأدوات الاقتصادية اللازمة للقيام بذلك، وهي تقنن القدرة على الوصول إلى سوقها الضخمة لأسباب سياسية؛ فقد عاقبت النرويج بعد منح المنشق ليو شياو بو جائزة نوبل للسلام، وكافأت الأوروبيين الشرقيين بعد أن خففوا من تأثير القرارات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، كما عانت شركات من سنغافورة وكوريا الجنوبية بعد أن اتخذت الحكومة في البلدين مواقف أثارت استياء الصين.
وتقدم مبادرة الحكومة الصينية الهائلة، التي حملت مسمى «الحزام والطريق»، لتشييد البنية الأساسية التجارية في مختلف أنحاء أوراسيا فرصاً وفيرة لاستغلال العقود التجارية لاكتساب النفوذ السياسي. وقد عملت الصين بشكل متزايد على تقييد حقوق الإنسان في الداخل. ومع تزايد قوة الصين، سوف تزداد مشاكل النظام العالمي لحقوق الإنسان.
ولكن، لا ينبغي لأحد أن يستسلم لإغراءات الإسقاطات التي لا تخلو من مبالغة في تصوير قوة الصين؛ فإذا حافظت الولايات المتحدة على تحالفاتها مع اليابان الديمقراطية وأستراليا واستمرت في تطوير علاقات جيدة مع الهند، فسوف تكون لها اليد العليا في آسيا. وعندما يتعلق الأمر بالتوازن العسكري العالمي، تأتي الصين متأخرة كثيراً، وفي ما يتصل بالعوامل الديموغرافية، والتكنولوجيا، والنظام النقدي، والاعتماد على الطاقة، تحتل الولايات المتحدة مكاناً أفضل من الصين في العقود المقبلة.
وفي مؤشر القوة الناعمة 30، تأتي الصين في المرتبة الخامسة والعشرين، في حين تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة.
علاوة على ذلك، لا أحد يدري ماذا يخبئ المستقبل للصين؛ فقد مزق شي جين بينغ الإطار المؤسسي الذي تركه دنغ شياو بينغ لتداول القيادة، ولكن إلى متى قد تدوم سلطة شي جين بينغ؟ في ما يتعلق بقضايا مثل تغير المناخ، والأوبئة، والإرهاب، والاستقرار المالي، سوف تستفيد كل من الصين والولايات المتحدة من التعاون. والخبر السار هنا هو أن بعض جوانب النظام الدولي الحالي سوف تستمر؛ أما الخبر المزعج فهو أن النظام الحالي لن يضم العنصر الليبرالي المتمثل في حقوق الإنسان.
الواقع أن نظام حقوق الإنسان ربما يواجه بيئة أكثر صرامة، لكن هذا لا يعني انهياره؛ فمن الممكن أن تعمل إدارة أميركية في المستقبل بشكل أوثق مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى متشابهة الفِكر لبناء تجمع لحقوق الإنسان. وربما تعمل مجموعة من عشر دول، تضم كبرى الديمقراطيات الكبرى في العالَم، على توفير التنسيق بشأن القيم مع مجموعة العشرين (التي تضم دولاً غير ديمقراطية مثل الصين، وروسيا، وغيرهما)، مع تركيزها على القضايا الاقتصادية.
ومن الممكن أن يقدم آخرون يد المساعدة. فكما تشير كاثرين سيكينك في كتابها الجديد بعنوان «دليل الأمل»، في حين كان الدعم الأميركي مهماً لحقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة لم تكن دوماً شديدة الليبرالية خلال الحرب الباردة، وتدين أصول النظام في أربعينيات القرن العشرين بالكثير للأميركيين اللاتينيين وآخرين. وعلاوة على ذلك، عملت منظمات حقوقية عبر وطنية على تطوير الدعم المحلي في العديد من الدول.
باختصار، ينبغي لنا أن نشعر بالقلق إزاء التحديات المتعددة التي تواجه الديمقراطية الليبرالية خلال الانتكاسة الحالية لما سماه صامويل هنتنغتون «الموجة الثالثة» من نشر الديمقراطية، لكن هذا ليس سبباً للتخلي عن حقوق الإنسان.
copy short url   نسخ
16/05/2018
1128