+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةأختارُ لندن في غالب محطات التنقل من مسكني الدائم في كندا، فلا تزال عاصمة الضباب البريطانية حيوية في مسارات الحياة المختلفة، ولعل أبرز ما تلتقيه الأعين تجمع الشعب العربي بكل أقطاره وشرائحه، فالمشهد حاضرٌ أمامك تلاقيك أعين أشقائك وإخوتك، وأهم ما في اللقاء أن يصمت حديثكم عن أي دلالة لرأي سياسي وحتى فكري، حتى يبقى الود ولا تنفجر المشاعر المحتقنة، في هذه القضية أو تلك وما أكثرها، فودّع صاحبك زائراً أو مقيماً في لندن، قبل أن ينكسر الزجاج.
ولا أدري هل ما ألحظه اليوم من كثرة السائحين العرب في كل أوقات العام هو مؤشر لعودة مكثفة جديدة، بحكم ما يستجد من أحداث في الشرق، أم أنه التقاط جديد لأعيني، ومن مآسي المشهد الذي يؤلمني ألم خاص، كأحد أبناء الشعب العربي في الخليج، قرع أصوات الشيلات التي توضع بمقابل مادي، تحت وقع صراع الأزمة الخليجية من هذا الطرف أو ذاك.
وهي عادة سيئة في وقت الأزمة أو دونها، ومؤشر تخلف يزدري به الإنجليز هذه المهزلة، التي تستثمرها عربات النقل الصغيرة، وإن جهلوا اللغة ولكن بعد حين يتناقل المفهوم بينهم، فضلاً عن الأشقاء العرب، فحتى لندن عاصمة الإمبراطورية العجوز، التي أتقنت بذكاء رابطة العلاقة بينها وبين مستعمراتها السابقة.
وأضحى شعبها متعدداً، أعطاها وهجاً سياحياً حميماً، كتبت عنه سابقا، كأحد صور الاشتباك الحضاري، الذي لا يلغي الاشتباك الصراعي معها، فحتى لندن بشوارعها الحيوية وازدحام نساء ورجال الخليج فيها، يُنافس صخبها بهذا الضجيج المسموم.
ميزة لندن الحدائق الخضراء التي تتوسطها، فوجبة المشي فيها ممتعة بين هذا الجمال الطبيعي الذي صنع توازنه مع المعالم السياحية المتعددة، وواقع المسلمين فيها مواطنين وزائرين حتى اليوم، حيث تعتبر بريطانيا الأفضل والأقل احتكاكاً في مسار الصعود اليميني، الذي يخوض صراعه الجديد مع المهاجرين، وإن كانت إنجلترا منشغلة في هموم البريكست، والطلاق المكروه مع الاتحاد الأوروبي.
وفي هذه الواقعة سجلت بريطانيا لديمقراطيتها خطوة إضافية منذ أن قلب مجلس العموم الطاولة على بوريس جونسون وأدبه، حينما استصدر قراراً باسم (ولية الأمر) الملكة إليزابيث، لتحييد الديمقراطية عن قرار البريكست، فرد البرلمان بشراسة على أي كسر لقاعدة الملكية الدستورية المطلقة، التي شيّدها نضال نشطائها ومفكريها، لصالح جغرافيا الإنجليز، والإنجليز وحسب بلا شك.
غير أنها رسالة أيضاً وموقف لا يمكن أن يَعبر في زمن القهر العربي لإرادة الشعوب، التي تكافح اليوم في موجة جديدة تبحث عن طريق الحرية والديمقراطية التنفيذية لا مسمياتها الهزلية، وربما يُعتبر هذا المؤشر من قراءات المقارنة بين ديمقراطية الولايات المتحدة الأميركية وبين ديمقراطية بريطانيا، التي يستعيد كليهما صوت اليسار المعتدل، عبر جيرمي كورببن وبيرني ساندرز، بعض الحضور، الذي قد يخلق فارقاً إنسانياً داخل الدولتين، وأشك أن يفعل شيئاً لعالم الجنوب.
ومع جولات المشي الممتعة والوقوف عند كشكات الصحف حيث لصحف لندن العربية، طعمها الخاص، خلال جلسات الاستراحة في المقاهي أو وجبات الغداء، فكان لهذه الزيارة معنى آخر، وهي التقاء نخبة من أبناء المهجر من مواطني بريطانيا المسلمين والمقيمين بنبض اختلف عن السابق.
الحكاية هنا في قضية حيوية جداً لمستقبل أجيال المهجر الذين يولدون بريطانيين أو كنديين أو أوروبيين أو أميركيين، وهو كيف يُصنع الفكر المدني بمفاهيم القيم الإسلامية، وكيف يفهم الشباب رسالة الإسلام مع مواطنتهم الجديدة، وكنتُ قد لا حظت عدم حماس بعض المؤسسات الإسلامية وقطاع من الجالية لهذا الخطاب، تأثراً ببعض صراعات الشرق الفكرية الجديدة، والإرث الثقافي القديم لهؤلاء الإخوة، أما هذه الزيارة فقد وجت صدىً مختلفاً، ولا أعرف هل الأمر متعلق بتفاعل جديد متطور، أم أنني التقيت جمهورا مختلفاً، في كل الأحوال يبقى هذا الأمر من أبرز تحديات الزمن الجديد لمسلمي المهجر، نأمل أن يُدرك الجميع أهميته قبل فوات الأوان.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةأختارُ لندن في غالب محطات التنقل من مسكني الدائم في كندا، فلا تزال عاصمة الضباب البريطانية حيوية في مسارات الحياة المختلفة، ولعل أبرز ما تلتقيه الأعين تجمع الشعب العربي بكل أقطاره وشرائحه، فالمشهد حاضرٌ أمامك تلاقيك أعين أشقائك وإخوتك، وأهم ما في اللقاء أن يصمت حديثكم عن أي دلالة لرأي سياسي وحتى فكري، حتى يبقى الود ولا تنفجر المشاعر المحتقنة، في هذه القضية أو تلك وما أكثرها، فودّع صاحبك زائراً أو مقيماً في لندن، قبل أن ينكسر الزجاج.
ولا أدري هل ما ألحظه اليوم من كثرة السائحين العرب في كل أوقات العام هو مؤشر لعودة مكثفة جديدة، بحكم ما يستجد من أحداث في الشرق، أم أنه التقاط جديد لأعيني، ومن مآسي المشهد الذي يؤلمني ألم خاص، كأحد أبناء الشعب العربي في الخليج، قرع أصوات الشيلات التي توضع بمقابل مادي، تحت وقع صراع الأزمة الخليجية من هذا الطرف أو ذاك.
وهي عادة سيئة في وقت الأزمة أو دونها، ومؤشر تخلف يزدري به الإنجليز هذه المهزلة، التي تستثمرها عربات النقل الصغيرة، وإن جهلوا اللغة ولكن بعد حين يتناقل المفهوم بينهم، فضلاً عن الأشقاء العرب، فحتى لندن عاصمة الإمبراطورية العجوز، التي أتقنت بذكاء رابطة العلاقة بينها وبين مستعمراتها السابقة.
وأضحى شعبها متعدداً، أعطاها وهجاً سياحياً حميماً، كتبت عنه سابقا، كأحد صور الاشتباك الحضاري، الذي لا يلغي الاشتباك الصراعي معها، فحتى لندن بشوارعها الحيوية وازدحام نساء ورجال الخليج فيها، يُنافس صخبها بهذا الضجيج المسموم.
ميزة لندن الحدائق الخضراء التي تتوسطها، فوجبة المشي فيها ممتعة بين هذا الجمال الطبيعي الذي صنع توازنه مع المعالم السياحية المتعددة، وواقع المسلمين فيها مواطنين وزائرين حتى اليوم، حيث تعتبر بريطانيا الأفضل والأقل احتكاكاً في مسار الصعود اليميني، الذي يخوض صراعه الجديد مع المهاجرين، وإن كانت إنجلترا منشغلة في هموم البريكست، والطلاق المكروه مع الاتحاد الأوروبي.
وفي هذه الواقعة سجلت بريطانيا لديمقراطيتها خطوة إضافية منذ أن قلب مجلس العموم الطاولة على بوريس جونسون وأدبه، حينما استصدر قراراً باسم (ولية الأمر) الملكة إليزابيث، لتحييد الديمقراطية عن قرار البريكست، فرد البرلمان بشراسة على أي كسر لقاعدة الملكية الدستورية المطلقة، التي شيّدها نضال نشطائها ومفكريها، لصالح جغرافيا الإنجليز، والإنجليز وحسب بلا شك.
غير أنها رسالة أيضاً وموقف لا يمكن أن يَعبر في زمن القهر العربي لإرادة الشعوب، التي تكافح اليوم في موجة جديدة تبحث عن طريق الحرية والديمقراطية التنفيذية لا مسمياتها الهزلية، وربما يُعتبر هذا المؤشر من قراءات المقارنة بين ديمقراطية الولايات المتحدة الأميركية وبين ديمقراطية بريطانيا، التي يستعيد كليهما صوت اليسار المعتدل، عبر جيرمي كورببن وبيرني ساندرز، بعض الحضور، الذي قد يخلق فارقاً إنسانياً داخل الدولتين، وأشك أن يفعل شيئاً لعالم الجنوب.
ومع جولات المشي الممتعة والوقوف عند كشكات الصحف حيث لصحف لندن العربية، طعمها الخاص، خلال جلسات الاستراحة في المقاهي أو وجبات الغداء، فكان لهذه الزيارة معنى آخر، وهي التقاء نخبة من أبناء المهجر من مواطني بريطانيا المسلمين والمقيمين بنبض اختلف عن السابق.
الحكاية هنا في قضية حيوية جداً لمستقبل أجيال المهجر الذين يولدون بريطانيين أو كنديين أو أوروبيين أو أميركيين، وهو كيف يُصنع الفكر المدني بمفاهيم القيم الإسلامية، وكيف يفهم الشباب رسالة الإسلام مع مواطنتهم الجديدة، وكنتُ قد لا حظت عدم حماس بعض المؤسسات الإسلامية وقطاع من الجالية لهذا الخطاب، تأثراً ببعض صراعات الشرق الفكرية الجديدة، والإرث الثقافي القديم لهؤلاء الإخوة، أما هذه الزيارة فقد وجت صدىً مختلفاً، ولا أعرف هل الأمر متعلق بتفاعل جديد متطور، أم أنني التقيت جمهورا مختلفاً، في كل الأحوال يبقى هذا الأمر من أبرز تحديات الزمن الجديد لمسلمي المهجر، نأمل أن يُدرك الجميع أهميته قبل فوات الأوان.