على الرغم من الهزيمة النكراء التي مُني بها حزب الرئيس ماكرون في المحطات الانتخابية الأخيرة التي عرفتها باريس أو تلك المتعلقة بالانتخابات الأوروبية فإن الرئيس الفرنسي يرفض إلى اليوم تعيين رئيس للوزراء.
رفض رئيس الجمهورية قبول السيدة «لوسي كاستي» التي اقترحتها جبهة الشعبية الجديدة برئاسة «ميلانشون» وهو ما دفع جبهة اليسار إلى الإعلان عن رفضها المشاركة في المشاورات التي ينظمها قصر الإليزيه بل دعت جبهة اليسار إلى مظاهرة كبيرة ضد الرئيس ماكرون يوم السابع من الشهر القادم.
اعتبرت الجبهة الشعبية الجديدة قرار الرئيس الفرنسي برفض مرشح اليسار لرئاسة الحكومة عارا على الديمقراطية الفرنسية وتشويها لصورة فرنسا في العالم بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، كما هددت جبهة اليسار برفع شكاوى للمطالبة بعزل الرئيس الذي يضع البلاد في مسار غير قانوني بإنكار نتائج الانتخابات.
من جهته اكتفى رئيس الجمهورية بالتصريح بأنه سيقود جولة جديدة من المشاورات مع الشخصيات السياسية الفرنسية للوصول إلى اتفاق نهائي حول شخصية رئيس الحكومة. وهي الخطوة التي اعتبرها معارضوه وسيلة جديدة لربح الوقت بعد أن استفاد مما أسماه «الهدنة الأولمبية» التي منحته الوقت لتأجيل تعبين الحكومة الجديدة.
لكن أغلب الطبقة السياسية الفرنسية ترى أن الرئيس ماكرون هو المسؤول الأول عن حالة الاحتباس السياسي الذي تعيشه فرنسا كما أنها ترى أيضا أن حزب الجبهة الشعبية الجديدة لا يمكنه أن يحكم لوحده ويشكل الحكومة التي يريد لأنه لم يحقق الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
من جهتها أعلنت نقابات رجال الأعمال وتجمعات كبار الصناعيين أنها مرتاحة لقرار رئيس الجمهورية بمنع الجبهة الشعبية الجديدة من تكوين الحكومة بسبب تصريحات الجبهة عن إعادة الضريبة على الثروة ورفع الأجر الأدنى وغيرها من القرارات التي لن تكون في صالح رجال الأعمال الفرنسيين.
لكن رفض الرئيس سيشكل مقدمة لأزمة تشريعية كبيرة في فرنسا بسبب قدرة الجبهة الشعبية على تعطيل مشاريع القوانين داخل البرلمان، وهو ما يؤدي إلى شلل المنظومة السياسية بشكل سيؤثر سلبا على الاقتصاد وعلى بقية القطاعات الحيوية في سياق شديد الحساسية داخليا وخارجيا.
إن تعنت الرئيس في التواصل الإيجابي مع الطرف السياسي الفائز من الانتخابات التشريعية يشكل صفعة للديمقراطية الفرنسية وبابا للتحارب السياسي بعد توعد اليسار بأنه لن يزكي أية حكومة تواصل السير على نهج الرئيس ماكرون، وهو الأمر الذي يفتح الساحة الفرنسية على كل الاحتمالات الممكنة في الأيام القليلة القادمة.