في مثل هذا اليوم من العام 757م تُوفي «إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك بن مروان»!
عاش ما يكفي ليشهد سقوط دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين، فاختفى هرباً منهم، ثم أعطاه أبو العباس السفاح الأمان، وأنزله في مجلسه وأكرمه، ثم قال له: يا إبراهيم حدِّثني عن أغرب ما مرَّ بك أيام اختفائك.
فقال: كنتُ مُختفياً في الحيرة بمنزلٍ مُشرفٍ على الصحراء، فرأيتُ جماعة حسبتُ أنها تبحثُ عني، فهربتُ إلى الكوفة، وأنا لا أعرف من أختفي عنده، فبقيتُ مُتحيِّراً في أمري، فنظرتُ فإذا بباب كبير فدخلتُه، فرأيتُ في الدار رجلاً وسيماً لطيف الهيئة، فقال لي: من أنتَ؟ وما حاجتك؟
قلتُ: رجل خائف على دمه جاء يستجير بك!
فأدخلَني في منزله، وواراني في حُجرة، فأقمتُ آكلُ أحسن طعام وألبس أحسن ثياب، وهو لا يسألني شيئاً عن حالي، إلا أنّه كان يركب كل يوم من الفجر، ولا يرجع إلا قبيل الظهر.
فقلتُ له يوماً: أراك تدمن الركوب، ففيم ذلك؟
فقال: إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي، فأنا أبحثُ عنه لآخذ بثأري منه!
فلما سمعتُ ذلك ضاقت الدنيا في عيني وقلتُ: إني سُقْتُ نفسي إلى حتفها!
فسألته عن اسمه واسم أبيه، فأخبرني، فعلمتُ صدقه وقد كنتُ قتلتُ أباه!
فقلتُ له يوماً: إنه وفاءً لحقك عليَّ أريد أن أدلك على ضالتك!
فقال: وأين هو؟
فقلتُ: أنا إبراهيم!
فتبسمَ وقال: هل آذيناك في شيء حتى تُفضِّل الموت على جوارنا؟
قلتُ واللهِ أنا إبراهيم، وقتلتُ أباك في يوم كذا وكذا!
فلما سمع كلامي، وعلم صدقي، صمت ساعةً ثم قال: أما أنتَ فسوف تلقى أبي عند حاكم عدل يوم القيامة وأما أنا فلا أخون ذمتي، ولكن امضِ ولا تقم عندي فإني لا آمن نفسي عليك!
فقمتُ فخرجتُ من عنده حتى جئتُ إليك!
درس عظيم في العفو، وفي الأخلاق، وفي احترام الكلمة، رحم الله زماناً كانت الكلمة قيد الرجل إذا أطلق وعداً التزم به!بقلم: أدهم شرقاوي
عاش ما يكفي ليشهد سقوط دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين، فاختفى هرباً منهم، ثم أعطاه أبو العباس السفاح الأمان، وأنزله في مجلسه وأكرمه، ثم قال له: يا إبراهيم حدِّثني عن أغرب ما مرَّ بك أيام اختفائك.
فقال: كنتُ مُختفياً في الحيرة بمنزلٍ مُشرفٍ على الصحراء، فرأيتُ جماعة حسبتُ أنها تبحثُ عني، فهربتُ إلى الكوفة، وأنا لا أعرف من أختفي عنده، فبقيتُ مُتحيِّراً في أمري، فنظرتُ فإذا بباب كبير فدخلتُه، فرأيتُ في الدار رجلاً وسيماً لطيف الهيئة، فقال لي: من أنتَ؟ وما حاجتك؟
قلتُ: رجل خائف على دمه جاء يستجير بك!
فأدخلَني في منزله، وواراني في حُجرة، فأقمتُ آكلُ أحسن طعام وألبس أحسن ثياب، وهو لا يسألني شيئاً عن حالي، إلا أنّه كان يركب كل يوم من الفجر، ولا يرجع إلا قبيل الظهر.
فقلتُ له يوماً: أراك تدمن الركوب، ففيم ذلك؟
فقال: إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي، فأنا أبحثُ عنه لآخذ بثأري منه!
فلما سمعتُ ذلك ضاقت الدنيا في عيني وقلتُ: إني سُقْتُ نفسي إلى حتفها!
فسألته عن اسمه واسم أبيه، فأخبرني، فعلمتُ صدقه وقد كنتُ قتلتُ أباه!
فقلتُ له يوماً: إنه وفاءً لحقك عليَّ أريد أن أدلك على ضالتك!
فقال: وأين هو؟
فقلتُ: أنا إبراهيم!
فتبسمَ وقال: هل آذيناك في شيء حتى تُفضِّل الموت على جوارنا؟
قلتُ واللهِ أنا إبراهيم، وقتلتُ أباك في يوم كذا وكذا!
فلما سمع كلامي، وعلم صدقي، صمت ساعةً ثم قال: أما أنتَ فسوف تلقى أبي عند حاكم عدل يوم القيامة وأما أنا فلا أخون ذمتي، ولكن امضِ ولا تقم عندي فإني لا آمن نفسي عليك!
فقمتُ فخرجتُ من عنده حتى جئتُ إليك!
درس عظيم في العفو، وفي الأخلاق، وفي احترام الكلمة، رحم الله زماناً كانت الكلمة قيد الرجل إذا أطلق وعداً التزم به!بقلم: أدهم شرقاوي