ليس بالشجب والإدانة وحدهما، يكون إنقاذ المسجد الأقصى، من بين فكي كماشة المشروع الصهيوني، والمحافظين الجدد في الغرب «البروتستانت الصهيونيين»، من دعاة معركة «هارمجدون» - هي عقيدة مسيحية يهودية مشتركة، تؤمن بيوم تتجمع فيه كل الجيوش بوادي «مجدون» جنوب شرق مدينة حيفا الفلسطينية، وعودة المسيح، ونهاية العالم، بحسب ما يروج المتصهينون في خرافتهم -. وكذلك لن يرتدع اليمين المتطرف الإسرائيلي؛ طالما ظلت مخططات المؤسسة الرسمية للاحتلال، تستهدف تغيير الوضعين التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، ومحاولات هدم أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.

حتى أن دافيد بن غوريون - أوّل رئيس وزراء للكيان المُحتل، وأحد قادة المشروع الصهيوني التاريخيين - قال ذات يوم: «لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل». وتسبب هذا التحريض الصهيوني المباشر، في تدمير «حارة المغاربة»، والاستيلاء على «حائط البراق»، وتحويله إلى «حائط المبكى»، وحفر الأنفاق أسفل جدران الأقصى.

وقد أدى تحالف الاحتلال مع الجمعيات اليهودية، لإقامة أكبر «كنيس» يهودي في العالم، إلى تشجيع العصابات الصهيونية، على التمادي في ارتكاب انتهاكات ضد «الأقصى»، سواء تحت حماية الجيش أو وقوات الأمن الداخلي. وقد استمر المحتل الغاصب على نهجه هذا، ولأكثر من سبعة وخمسين عاماً - حتى وإن تغيرت الحكومات والأشخاص -، في العمل على تنفيذ مشروع، ومخطط تهويد مدينة القدس. والذي بدأ مع أول اقتحام صهيوني «للأقصى»، على يد عدد كبير من المستوطنين المتطرفين، برفقة الجنرال موردخاي جور - أصبح لاحقاً رئيساً لأركان جيش الاحتلال الصهيوني -، مع جنوده؛ وذلك في اليوم الثالث لحرب يونيو (عام 1967م.). وقد قاموا في هذا اليوم المشؤوم بإحراق المصاحف، كما أنهم منعوا المصلين من أداء الصلاة في «الأقصى»، ورفعوا علم الكيان الإسرائيلي على قبة الصخرة.وبعد انتهاء حرب يونيو، أسس أحد ضباط جيش الاحتلال الصهيوني- غرشون سولومون، جماعة أطلق عليها اسم «أمناء جبل الهيكل»، ودعا أنصاره للصعود إلى جبل الهيكل، وهدم المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وعلى أنقاضهما يتم إقامة الهيكل الثالث؛ انتظاراً لقدوم المسيح المخلص - الهيكل أو المعبد الأول للملك سليمان، الهيكل الثاني أقيم بعد السبي البابلي سنة 516 ق.م.، ودمره الرومان، خلال الثورة اليهودية الأولى سنة 70م -. وبسبب تأجيج المشاعر الصهيونية، خلال هذه المرحلة؛ فقد وقع حريق المسجد الأقصى المبارك، على يد شخص يدعى مايكل دنيس روهن - أسترالي الجنسية - في 21 أغسطس (عام 1969م.)، وتوالت الانتهاكات، مروراً بما فعله أعضاء الكنيست ويمينيين متطرفين، من اقتحام لباحات «الأقصى» يوم 8 يناير (عام 1986م.)؛ وأدت إلى انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومنها خرجت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» لتقود معركة «طوفان الأقصى» في اليوم السابع من شهر أكتوبر، العام الماضي..

وما أن تخمد الأصوات الصهيونية؛ حتى تعاود الضجيج من جديد!. وآخرها تصريحات وزير الأمن القومي للكيان الإسرائيلي، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير؛ الذي بث سمومه العنصرية، وأعلن عن مخطط لبناء «كنيس» يهودي في قلب المسجد الأقصى المبارك. وقد صاحب ذلك دخول عدد من المستوطنين المتطرفين، إلى باحات «الأقصى»، والقيام بأداء الطقوس التلمودية؛ بما فيها «السجود الملحمي»؛ والتي تكون مصاحبة بأفعال تمحي الشواهد التاريخية على عروبة فلسطين، وفيها مساس بالوضع القائم، أو ما يعرف بقانون «الستاتيكو» - قانون عثماني صدر في 2 أغسطس عام 1852 لتثبيت حقوق كل طائفة دينية كانت موجودة بمدينة القدس -. مما يمثل استفزازاً لمشاعر المسلمين، في كل بقاع الأرض، ويشكل خرقاً صارخاً للقانون الدولي، باعتبار أن الأقصى إرث ثقافي وحضاري إنساني عالمي؛ في ظل مشهد إقليمي ملتهب؛ قد يشعل «حرب دينية».

وهذه الحرب الدينية، سوف تتغذى على الصراع الديني والتطرف في المنطقة، والمهدد للاستقرار الإقليمي؛ طالما ظلت مستمرة استفزازات قادة الاحتلال واليمينيين المتطرفين الصهاينة؛ ما لم يتحرك المجتمع الدولي الفاعل، ويتحمل مسؤولياته، ويتدخل لوضع حد لانتهاكات الاحتلال الصهيوني الخطيرة؛ للحفاظ على الوضعين التاريخي والقانوني للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة. كما ينبغي على منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» أن تقوم بواجباتها القانونية لحماية «المسجد الأقصى» كتراث إسلامي، وإرث ثقافي وحضاري إنساني، يحمل قيمة استثنائية عالمية. وهنا يقع على عاتق الدول الإسلامية؛ والتي تشكل قوة كبيرة في هذه المنظمة الدولية «اليونسكو»، التنسيق مع دول عدم الانحياز، والصديقة، والمحبة للسلام؛ لممارسة الضغوط اللازمة لتحريك ملف الانتهاكات الصهيونية للأقصى.

وما لم يكن هناك التزام إسرائيلي، بالتوقف عن محاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، فإن كافة القرارات الدولية؛ الصادرة من مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظماتها المختلفة، بشأن وقف الانتهاكات، وحماية المصالح الدينية في المدينة المقدسة، تظل مجرد حبر على ورق!. وهذا من شأنه أن يدفع بجموع الفلسطينيين إلى حافة اليأس، والانزلاق إلى منحنى دوامة العنف، والحلقة المفرغة. وخاصة مع توتر المشهد الإقليمي، وتعثر مسار المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية، والكيان الصهيوني، بشأن وقف الحرب على قطاع غزة؛ والتي اقتربت من دخول شهرها الحادي عشر، وسقوط أكثر من 40 ألف شهيد، 86 ألف مصاب، بخلاف المفقودين، ومعظمهم من النساء والأطفال، والشيوخ، بخلاف التدمير الكامل للبنية التحتية، وكافة المرافق التحتية، للقضاء على مظاهر الحياة. حتى باتت المنطقة فوق فوهة بركان ساخن، ومرشحة لانفجار «انتفاضة فلسطينية» ثالثة. وقطعاً سوف تختلف عن الانتفاضتين السابقتين، باختلاف طبيعة وقوة وشراسة المقاوم الجديد، والأدوات المستخدمة، ومدى، ونطاق الزمان والمكان؛ وقد تقود إلى إشعال «حرب دينية» من أجل تخليص المسجد الأقصى من بين فكي كماشة المشروع الصهيوني، و«البروتستانت الصهيونيين».Moiharby1968@yahoo.com