+ A
A -
لا يستطيع أحد أن يُنكر اليوم أنّ ما تعرّض له المساجين العرب خاصة من المعارضين السياسيين وسجناء الرأي خلال النصف الثاني من القرن الماضي يمثّل واحدا من المنشطات التي ذكّت بقوة حراك الشارع العربي خلال ثورات العربي الأخيرة. لقد شكّلت السجون حاضنة فكرية وعقائدية رسمت من وراء الجدران ومن أمامها سيَرا وقصصا وتضحيات ساهمت بشكل عميق في رسم صورة النظام الرسمي بما هو نظام مؤسس على القمع وعلى انتهاك حقوق الإنسان.
لقد أثّث أدب السجون وقصص المساجين السياسيين جزءا هاما من الذاكرة الجمعية للشعوب العربية المسلمة، حيث كانت قصص التعذيب وروايات وقائع القمع في زنازين الطغاة أحد أهم المصادر التي سقت يوما وعي الناس ببشاعة الأنظمة الحاكمة. سجون شهيرة مثل سجن أبو سليم في ليبيا أو سجن صيدنايا في سوريا أو سجن القناطر في مصر أو سجن برج الرومي في تونس كانت كلها مسارح لأبشع جرائم الموت والقتل والتعذيب والاغتصاب.
لكنّ خطورة هذه السجون لم تقتصر على تعذيب الأبرياء بل إنها خلقت أخصب الحواضن التي تخرّج منها الفكر التكفيري وخرجت منها سلالات الناقمين والمتطرفين في ردّة فعل متوقعة على توحش السلطة في التعامل معهم. لا يمكن أن نغفل اليوم الربط الوثيق بين المناخ السجني في البلاد العربية وبين ترعرع الفكر المتطرف ونشاط الخلايا الإرهابية لما تمثله ظروف المساجين من فرصة سانحة للاستقطاب والتلاعب بالعواطف والتوجيه المعنوي.
القمع إذن هو الوجه الآخر للإرهاب والتعذيب هو الصفحة الأخرى للتطرف والتكفير والقتل باسم الدين والعقيدة. إن بشاعة النظام الرسمي العربي بما هو نظام بوليسي قمعي هي المسؤول الأول عن آلاف الشباب الذين جندتهم الشبكات الإرهابية بخلفيتها المخابراتية.
من جهة أخرى فإن الرأي العام العالمي بمنظماته الدولية الراعية لحقوق الإنسان يعلم علم اليقين بما يحدث في السجون العربية. بل إن تقارير استخبارية أميركية كشفت التعاون الوثيق بين الأجهزة الغربية والأنظمة العربية في اختطاف وترحيل المعارضين وتعذيبهم وهو ما يجعل من قرارات المنظمات الدولية وتقاريرها أمرا لا قيمة له في القدرة على تغيير واقع السجون العربية.
لن تنهض هذه الأمة ولن تلتحق بموكب الأمم المتقدمة ما لم تتجاوز ثقافة الإهانة والقمع التي تأسست عليها منظوماتها السجنية التي لا تكتفي بإهانة كرامة الإنسان بل تحولت إلى مصدر للتطرف والإرهاب المهدد لسلامة المجتمع. السجن في المنوالات المتقدمة هو مجال للإصلاح والتكوين وفرصة للمراجعة والتربية والانضباط وشكل من أشكال معالجة أمراض المجتمع الذي لا تنهض الأمم بدون محاربتها.بقلم: محمد هنيد
لقد أثّث أدب السجون وقصص المساجين السياسيين جزءا هاما من الذاكرة الجمعية للشعوب العربية المسلمة، حيث كانت قصص التعذيب وروايات وقائع القمع في زنازين الطغاة أحد أهم المصادر التي سقت يوما وعي الناس ببشاعة الأنظمة الحاكمة. سجون شهيرة مثل سجن أبو سليم في ليبيا أو سجن صيدنايا في سوريا أو سجن القناطر في مصر أو سجن برج الرومي في تونس كانت كلها مسارح لأبشع جرائم الموت والقتل والتعذيب والاغتصاب.
لكنّ خطورة هذه السجون لم تقتصر على تعذيب الأبرياء بل إنها خلقت أخصب الحواضن التي تخرّج منها الفكر التكفيري وخرجت منها سلالات الناقمين والمتطرفين في ردّة فعل متوقعة على توحش السلطة في التعامل معهم. لا يمكن أن نغفل اليوم الربط الوثيق بين المناخ السجني في البلاد العربية وبين ترعرع الفكر المتطرف ونشاط الخلايا الإرهابية لما تمثله ظروف المساجين من فرصة سانحة للاستقطاب والتلاعب بالعواطف والتوجيه المعنوي.
القمع إذن هو الوجه الآخر للإرهاب والتعذيب هو الصفحة الأخرى للتطرف والتكفير والقتل باسم الدين والعقيدة. إن بشاعة النظام الرسمي العربي بما هو نظام بوليسي قمعي هي المسؤول الأول عن آلاف الشباب الذين جندتهم الشبكات الإرهابية بخلفيتها المخابراتية.
من جهة أخرى فإن الرأي العام العالمي بمنظماته الدولية الراعية لحقوق الإنسان يعلم علم اليقين بما يحدث في السجون العربية. بل إن تقارير استخبارية أميركية كشفت التعاون الوثيق بين الأجهزة الغربية والأنظمة العربية في اختطاف وترحيل المعارضين وتعذيبهم وهو ما يجعل من قرارات المنظمات الدولية وتقاريرها أمرا لا قيمة له في القدرة على تغيير واقع السجون العربية.
لن تنهض هذه الأمة ولن تلتحق بموكب الأمم المتقدمة ما لم تتجاوز ثقافة الإهانة والقمع التي تأسست عليها منظوماتها السجنية التي لا تكتفي بإهانة كرامة الإنسان بل تحولت إلى مصدر للتطرف والإرهاب المهدد لسلامة المجتمع. السجن في المنوالات المتقدمة هو مجال للإصلاح والتكوين وفرصة للمراجعة والتربية والانضباط وشكل من أشكال معالجة أمراض المجتمع الذي لا تنهض الأمم بدون محاربتها.بقلم: محمد هنيد